آخر الأخبار

الجزائر و فرنسا...رسائل بلا إجابة

شارك
بواسطة محمد قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد قادري

الجزائر الآن _ في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أحد أكثر فصولها تعقيدًا في علاقاتها مع الجزائر، اختارت باريس اللجوء مجددًا إلى “رمزية الذاكرة” في محاولتها إعادة وصل ما انقطع.

مصدر الصورة

مشاركة السفير الفرنسي بالجزائر، ستيفان روماتي، في مراسم إحياء ذكرى مجازر 17 أكتوبر 1961 في ضاحية باريس، ليست مجرد لفتة إنسانية أو استحضار لتاريخ مؤلم، بل تمثل – في نظر مراقبين – مؤشراً على تخبط دبلوماسي واضح تسعى من خلاله فرنسا لتدارك ما يمكن تداركه بعد تراكم الأزمات مع الجزائر.

تبدو باريس في موقع الطرف الذي يحاول تقديم إشارات تهدئة، بينما تفضل الجزائر، بحسب المتابعين، الثبات على مواقفها المعروفة وهي تراقب تصرفات وتحركات الجانب الفرنسي.


* الجزائر و فرنسا …رسائل بلا إجابة،إذ لم تقابل المبادرات الرمزية بتحولات جوهرية في المواقف الفرنسية.

وبينما كانت باريس تراهن تقليديًا على علاقات تاريخية تسمح لها بالتحرك بحرية في المشهد الجزائري ، فإن المستجدات الأخيرة أثبتت أن مفاتيح التأثير لم تعد بيدها وحدها.

فبحسب ذات المتابعين التوازنات الإقليمية تغيّرت، والجزائر – بما تملكه من أوراق سياسية وأمنية واقتصادية – باتت تتعامل مع فرنسا ليس من موقع الحاجة، بل من موقع الندّ، في لحظة مفصلية تعيد رسم معادلات النفوذ التقليدي في المنطقة.

هكذا تريد الجزائر وهكذا تقاوم فرنسا ..وهو ما يطرح تحديات حقيقية أمام السياسة الفرنسية الخارجية.


* تحركات رمزية لا تخفي الارتباك الفرنسي

يقول أستاذ العلوم السياسية رشيد بن عيسى في تصريح لصحيفة “ الجزائر الآن“:
“التحركات الرمزية لفرنسا لا تُخفي مأزقها بعد الاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة” ، مضيفًا أن “حضور السفير الفرنسي، بتعليمات مباشرة من الرئيس إيمانويل ماكرون، لا يحمل جديدًا في مضمون العلاقات الثنائية، بل يدخل في إطار محاولة رمزية لتلميع صورة فرنسا أمام الرأي العام الجزائري، بعد أزمة الثقة التي عمّقتها سياسات باريس تجاه قضايا المنطقة، وفي مقدمتها دعمها المعلن للمشروع المغربي في الصحراء الغربية.”

هذا التقييم يعكس إدراكًا جزائريًا عميقًا لفجوة الثقة بين الجانبين، ويرسّخ قناعة بأن فرنسا، رغم محاولاتها التوددية، ما زالت تفتقد إلى الجرأة في تصحيح مسارها السياسي.

مصدر الصورة

فالجزائر تنظر إلى الخطابات الرمزية كتكتيك ظرفي، في حين تنتظر من باريس مواقف حقيقية تُترجم إلى مراجعة فعلية لسياستها تجاه القضايا الجوهرية، وفي مقدمتها قضية الصحراء الغربية.


* حين تصبح الذاكرة ملجأً للعجز السياسي

يضيف بن عيسى:”اختيار ملف الذاكرة لتوجيه رسالة تودد، يعكس إدراك الإليزي لعمق الهوة التي تفصل بين البلدين، مشيرًا إلى أن فرنسا تلجأ إلى الماضي كلّما تعقدت حوارات الحاضر، معتبرا أن من يتحدث عن المصالحة عبر التاريخ، وهو يغض الطرف عن سيادة الشعوب اليوم، إنما يهرب من مواجهة الحقيقة.”

ويتابع:”الجزائر، على خلاف فرنسا، تتعامل مع ملف الذاكرة كحق تاريخي غير قابل للمساومة، وليس كأداة سياسية ظرفية، مضيفًا أن باريس تحاول تمرير رسائل تطبيع تحت غطاء الاعتراف التاريخي، لكنها في الواقع تحاول تدارك العزلة التي خلّفها انحيازها للمغرب في قضية تضعها الأمم المتحدة في نطاق تصفية الاستعمار.”

هذا التوصيف يسلط الضوء على الانفصال المتزايد بين نوايا فرنسا المُعلنة وممارساتها السياسية الفعلية.

وفي حين تحاول باريس توظيف ملف الذاكرة لإعادة ضبط علاقتها مع الجزائر، فإن الأخيرة ترفض أن يُستخدم التاريخ كقناع لتجاوز الحاضر، مؤكدة أن المصالحة الحقيقية تبدأ من احترام الحقوق والسيادات لا من محطات رمزية تفتقر إلى الاعتراف العملي أو الاعتذار الصريح.


* من خطاب الندم إلى واقع الوصاية

ويواصل الأستاذ بن عيسى:”مشاركة روماتي في إحياء ذكرى مجازر 17أكتوبر بضاحية باريس لا تمثل اعتذارًا ولا اعترافًا، بل هي تذكير بمدى تخبط فرنسا بين خطاب الندم وسلوك الوصاية،” مشيرًا إلى أن “باريس تواجه اليوم تراجعًا واضحًا في نفوذها داخل شمال إفريقيا، مقابل حضور متزايد للجزائر في ملفات الساحل وإفريقيا الوسطى.”

مصدر الصورة

وأضاف:
“الجزائر لم تعد تتعامل مع فرنسا من موقع المتلقي، بل من موقع الند، مضيفًا أن كل خطوة رمزية من باريس تُقرأ في الجزائر بعيون الحذر، لأن التجارب أثبتت أن فرنسا لا تتحرك إلا عندما تشعر بأن مصالحها مهددة.”

وهنا تتضح المعادلة الجديدة في العلاقة الجزائرية الفرنسية: لم يعد الخطاب وحده كافيًا، ولا المبادرات الرمزية مقنعة.

الجزائر صارت تتحرك كقوة إقليمية مستقلة تقيس علاقاتها وفق معايير السيادة والمصلحة المتبادلة، لا وفق قواعد “الخصوصية التاريخية” التي لطالما استخدمتها فرنسا كأداة نفوذ ناعم.


* لباريس الاخ تيار … والجزائر تراقب بثبات

أما باريس، فباتت مطالبة بالاختيار بين مراجعة شاملة لمقاربتها، أو القبول بالانسحاب التدريجي من موقع كانت تظنه دائمًا مضمونًا.

وبحسب المتابعين إنّ ما يجري اليوم ليس مجرد أزمة عابرة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، بل تحوّل عميق في بنية الفهم المتبادل بين دولتين ترتبطان بتاريخ مشترك معقّد.

فالجزائر الجديدة تتقدم على قاعدة الثقة في نفسها، وحرصها على أن تكون طرفًا فاعلًا في المنطقة، لا مجرد متلقٍّ لتوجهات الآخرين.

وفي المقابل، تبدو فرنسا مطالبة بالتخلي عن خطاب الازدواجية إن أرادت فعلاً استعادة حضورها في المنطقة.

فالأزمنة تغيرت، والشعوب لم تعد تُخدع بالرموز، بل تطالب بمواقف ملموسة تُحترم فيها السيادة وتُوزن فيها المصالح بعدالة واتزان.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا