آخر الأخبار

الصيرفة الإسلامية في الجزائر: من تجربة مالية إلى رافد استراتيجي للاقتصاد الوطني

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

الجزائر الآن _ في ظل ديناميكيات متسارعة تعيد رسم خارطة التمويل العالمي، تتجه الجزائر بثقة نحو بناء نموذج اقتصادي سيادي يعكس خصوصياتها الوطنية ويستجيب لتحديات العولمة، بعيدًا عن تبعية النماذج المالية التقليدية التي أثبتت محدوديتها.

هذا التحول لا يُفهم فقط كضرورة تنموية، بل كخيار سياسي استراتيجي يعكس إرادة الدولة في صياغة “ سياسة نقدية جديدة” تقوم على تأصيل الاقتصاد في منظومة القيم، والانفتاح في نفس الوقت على آليات تمويل حديثة قادرة على تعبئة الموارد وتوجيهها نحو الاستثمار المنتج.

في هذا السياق، لا تأتي الصيرفة الإسلامية كبديل جزئي أو رديف للنظام المالي القائم، بل كجزء من رؤية وطنية شاملة لإعادة هندسة المنظومة المالية برمتها، بما يخدم أهداف الاستقلال الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة.

مصدر الصورة

هذا التوجّه الإصلاحي يتقاطع مع تحوّلات إقليمية ودولية ، حيث يشهد العالم تناميًا في حجم ونفوذ الصناعة المالية الإسلامية التي تجاوزت عتبة 3.5 تريليون دولار، ما يؤكد أن الصيرفة الإسلامية لم تعد “قطاعًا خاصًا بالدول الإسلامية”، بل أصبحت أداة مالية دولية بديلة تلقى اهتمامًا متزايدًا حتى من المؤسسات الغربية في سياق البحث عن تمويلات أقل هشاشة وأكثر استقرارًا.

في هذا الإطار، تبرز الجزائر كفاعل صاعد في هذا المجال، مدفوعة بإرادة سياسية قوية، وحاجة ملحة إلى استقطاب السيولة الراكدة خارج المنظومة البنكية، وتفعيل أدوات تمويل بديلة تسهم في تمويل المشاريع ذات القيمة المضافة، بما يُترجم عمليًا رؤية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لتنمية الاقتصاد الوطني من خارج قطاع المحروقات، عبر تنويع مصادر التمويل وبناء توازن مالي قائم على القيم والثقة.

بوغالي: الصيرفة الإسلامية رافد استراتيجي يعكس هوية اقتصادية وطنية

في افتتاح اليوم الدراسي الموسوم بـ”الصيرفة الإسلامية في الجزائر: آفاق وتحديات”، أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، أن الصيرفة الإسلامية تمثل اليوم رافدًا استراتيجيًا للاقتصاد الوطني، لما تحمله من قيم إنسانية وأخلاقية تدمج البعد المالي بالبعد الاجتماعي.

مصدر الصورة

وأشار إلى أن هذا التوجّه يعكس الرؤية السياسية والاقتصادية لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الهادفة إلى إعادة هندسة المنظومة المالية الوطنية بما يحقق السيادة الاقتصادية والاستقلال المالي.

سليماني عبد القادر: من خيار بديل إلى رؤية اقتصادية قائمة بذاتها

و أكد الخبير الاقتصادي سليماني عبد القادر أن الصيرفة الإسلامية لم تعد خيارًا هامشيًا أو رديفًا تقنيًا، بل تحوّلت إلى نموذج تمويلي مكتمل الأركان قائم على مبادئ العدل، الإنصاف، والتكافل. وأضاف أن هذا التوجه يتجاوز البعد الديني، ليكون خيارًا حضاريًا وسياديًا يعكس هوية اقتصادية وطنية تستند إلى قيم المجتمع الجزائري.

إصلاحات قانونية فتحت الطريق أمام التمويل الإسلامي

وأشار الخبير إلى أن الجزائر خطت خطوات مهمة في سبيل تنظيم الصيرفة الإسلامية داخل المنظومة البنكية، بدءًا من إصدار نظام 18-02 لسنة 2018، الذي حدد صيغ التمويل الشرعي (كالمرابحة، المضاربة، المشاركة، السلم، الاستصناع والإجارة)، وفرض إنشاء لجان شرعية للرقابة، وصولاً إلى نظام 20-02 لسنة 2020، الذي وفّر إطارًا قانونيًا متكاملًا يسمح بإنشاء نوافذ ومصارف إسلامية مستقلة، إلى جانب وضع لجنة وطنية للفتوى داخل بنك الجزائر.

وأكد سليماني أن هذه الإصلاحات فتحت الباب أمام بيئة قانونية ومحاسبية واضحة تضمن الشفافية وتحمي المتعاملين، وتُعزز من الثقة في هذا النوع من التمويل، مشيرًا إلى أن النظام الجديد نقل التجربة من إطارها التجريبي إلى التطبيق العملي، مما أسهم في جذب السيولة المالية الراكدة خارج المنظومة البنكية.

مصدر الصورة

نمو ملموس وأرقام مشجعة

بحسب الأرقام التي قدّمها الخبير، فإن الودائع في البنوك الإسلامية تجاوزت 817 مليار دينار جزائري بنهاية سنة 2024، بزيادة قدرها 17% مقارنة بالعام السابق، مما يعكس تنامي ثقة المواطنين في هذا النمط البنكي. كما ارتفع عدد النوافذ الإسلامية إلى 102 نافذة عبر مختلف ولايات الوطن، بعد انخراط بنوك عمومية مثل القرض الشعبي الجزائري والبنك الوطني الجزائري، إلى جانب المؤسسات الرائدة كبنك البركة وبنك السلام.

وأكد سليماني أن هذه الديناميكية تعكس إرادة الدولة في توسيع قاعدة التمويل الإسلامي ليشمل مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وروّاد الأعمال.

الصيرفة الإسلامية: أدوات مرنة وتمويلات أخلاقية

يرى الخبير أن الصيرفة الإسلامية تقدم بدائل تمويلية شرعية، تقوم على مبادئ المشاركة في المخاطر والمنافع، وتبتعد عن الفائدة الربوية. وهي بذلك تمكّن من تمويل مشاريع إنتاجية حقيقية، وتُسهم في خلق الثروة وتحفيز الدورة الاقتصادية. وتشمل أبرز أدواتها التمويلية:


* المرابحة: لتمويل شراء السلع والعقارات.
* المضاربة والمشاركة: لتشجيع المشاريع الناشئة.
* الإجارة: لتأجير الأصول الإنتاجية.
* الاستصناع والسلم: لدعم قطاعي البناء والفلاحة.
* كما تتيح آليات الزكاة والوقف والتمويل التشاركي توجيه الموارد نحو مشاريع النفع العام، مما يُسهم في تقليص الفوارق الطبقية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الجزائر على خارطة التمويل الإسلامي العالمي

في مقارنة مع المشهد الدولي، أكد سليماني أن حجم الصناعة المالية الإسلامية عالميًا تجاوز 3.5 تريليون دولار نهاية 2024، ومن المتوقع أن يبلغ 4.9 تريليون دولار في 2025 و6.67 تريليون دولار بحلول 2027، مع استحواذ قطاع الصيرفة على أكثر من 70% من هذا الحجم.

واعتبر أن الجزائر تمتلك كل المقومات لتكون من بين الفاعلين الإقليميين البارزين في هذا المجال، شريطة مواصلة الإصلاحات وتعزيز التكوين المهني والتقني في القطاع.

في المحصلة،الصيرفة الإسلامية في الجزائر تجاوزت اليوم حدود التجريب والتحفظ، وأصبحت أداة مالية استراتيجية لتعزيز السيادة الاقتصادية، وتنويع مصادر التمويل، وتحقيق تنمية شاملة تراعي القيم والمصلحة العامة.

ومع استمرار الدعم السياسي والتشريعي، وتوسيع قاعدة المتعاملين، فإن هذا القطاع مرشّح ليكون أحد أعمدة الاقتصاد الوطني في المرحلة المقبلة، وبديلاً فعّالًا في مواجهة التحديات المالية الدولية.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا