آخر الأخبار

(مساهمة) فرنسا على مفترقٍ سياسي خطير: استقالة لوكورنو تعمّق عزلة ماكرون وتكشف هشاشة النظام السياسي

شارك
مصدر الصورة
الكاتب: مساهمة بقلم البروفيسور عبد القادر بريش

(مساهمة) فرنسا على مفترقٍ سياسي خطير: استقالة لوكورنو تعمّق عزلة ماكرون وتكشف هشاشة النظام السياسي

الجزائرالٱن _ تعيش فرنسا واحدة من أعقد أزماتها السياسية منذ قيام الجمهورية الخامسة، بعدما قدّم رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو (Sébastien Lecornu) استقالته رسميًا، يوم الاثنين 6 أكتوبر 2025، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، وفق بيان صادر عن قصر الإليزيه.

لوكورنو، الذي عُيّن في 9 سبتمبر الماضي، لم يُكمل شهرًا واحدًا في منصبه، إذ واجه رفضًا واسعًا من المعارضة بمختلف أطيافها، ومن اليمين خصوصًا، عقب إعلانه مساء الأحد تشكيلة حكومته الجديدة، وهي الحكومة الثالثة خلال سنة واحدة فقط، في سابقة تعبّر عن انسداد سياسي عميق يهدد مستقبل ماكرون واستقرار الدولة الفرنسية برمّتها.

أزمة مؤسساتية متصاعدة

1. فشل متكرر في تشكيل الحكومات

تأتي استقالة لوكورنو في سياق تراكمي لأزمة سياسية مستفحلة تتجلّى في عجز متكرر عن تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان. فخلال أقل من عام، عجز الرئيس ماكرون عن تثبيت أي حكومة قادرة على الاستمرار، بعدما واجه رئيسا وزراء سابقان المصير ذاته إثر تفعيل الآلية الدستورية لحجب الثقة.

المرة الأولى كانت ضد حكومة ميشيل بارنييه (Michel Barnier) في ديسمبر 2024، التي سقطت بعد تصويت البرلمان ضدها بسبب تمريرها مشروع قانون المالية باستخدام المادة 49.3 المثيرة للجدل.

المرة الثانية كانت ضد حكومة فرانسوا بايرو (François Bayrou) في سبتمبر 2025، بعد رفض الأغلبية البرلمانية لبرنامجها المالي وخططها التقشفية الرامية إلى خفض الدين العام.

تفعيل آلية حجب الثقة مرتين متتاليتين ثم استقالة لوكورنو قبل عرض حكومته على البرلمان، يشير إلى تفاقم العقم السياسي والمؤسساتي، وإلى ضعف موقع الرئاسة في إدارة التوازنات داخل البرلمان المنقسم.

المأزق الرئاسي لماكرون: عزلة متزايدة وشرعية متآكلة

استقالة لوكورنو ليست مجرد أزمة عابرة في تداول السلطة، بل تعكس عزلة الرئيس ماكرون وتآكل رصيده السياسي داخل المؤسسات التشريعية وحتى ضمن معسكره الوسطي.

فشل ثلاثة رؤساء وزراء متتالين في أقل من اثني عشر شهرًا يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام الرئاسي شبه البرلماني، وحول قدرة ماكرون على الحفاظ على تماسك الأغلبية الرئاسية.

المعارضة اليمينية واليسارية على حد سواء ترى أن ماكرون فقد زمام المبادرة، وأنه لم يعد قادرًا على قيادة إصلاحات اقتصادية واجتماعية تواجه أصلاً رفضًا شعبيًا واسعًا منذ احتجاجات قانون التقاعد العام الماضي.

ضغوط اقتصادية واجتماعية تهدد التوازن الداخلي

تزامن الانسداد السياسي مع ضغوط اقتصادية متزايدة:

ارتفاع الدين العام الفرنسي إلى مستويات تاريخية تجاوزت 112٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

تباطؤ معدلات النمو إلى أقل من 0.8٪ هذا العام، ما يضع المالية العمومية في وضع هشّ.

تصاعد الغضب الاجتماعي بسبب تآكل القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار الطاقة، والبطالة في بعض القطاعات الحيوية.

هذا التداخل بين الأزمة السياسية والضائقة الاقتصادية يجعل من الاستقرار الاجتماعي مهددًا بصورة غير مسبوقة، في بلد شهد بالفعل اضطرابات اجتماعية متكررة خلال السنوات الأخيرة.

تداعيات الأزمة: أزمة ثقة شاملة

الأزمة الحالية لم تعد تخصّ الحكومة فقط، بل تمسّ الثقة في النظام السياسي الفرنسي ذاته، إذ يشعر المواطن الفرنسي بأن مؤسسات الدولة لم تعد قادرة على الاستجابة لتحديات المرحلة.

– ضعف القيادة التنفيذية،

– الانقسام الحاد داخل البرلمان،

– تفكك التحالفات الحزبية،

كلها عناصر تهدد بانتقال الأزمة من مستوى الشلل الحكومي إلى الاضطراب المؤسسي وربما الانفجار الاجتماعي.

السيناريوهات المحتملة

1. تعيين رئيس وزراء جديد بتوافق هش

قد يحاول ماكرون تعيين شخصية توافقية جديدة من الوسط أو التكنوقراط، لامتصاص الغضب السياسي، لكن دون ضمان الاستقرار على المدى المتوسط.

2. الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة

وهو خيار دستوري ممكن، لكنه محفوف بالمخاطر، إذ تشير التقديرات إلى احتمال صعود اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، ما قد يعمّق المأزق بدل حله.

3. تشكيل حكومة وحدة وطنية أو إنقاذ مؤقت

حلّ استثنائي قد يجمع أطرافاً من المعارضة والوسط، لتفادي فراغ مؤسساتي، لكنه يتطلب تنازلات سياسية مؤلمة من الرئاسة.

4. الاستمرار في حالة “تصريف الأعمال”

وهو سيناريو محتمل إذا فشل الرئيس مجددًا في إيجاد مرشح مقبول، لكنه يكرّس شلل الدولة ويضعف موقع فرنسا في الاتحاد الأوروبي والأسواق الدولية.

تكشف استقالة سيباستيان لوكورنو أن فرنسا تعيش لحظة مفصلية في تاريخها السياسي الحديث. إنها أزمة نظام وحكم، وليست مجرد أزمة حكومات.

فماكرون، الذي كان يرفع شعار “الاستقرار والإصلاح”، يجد نفسه اليوم محاصرًا بين أغلبية برلمانية منقسمة، وضغط شعبي متصاعد، وأزمة اقتصادية خانقة.

إن لم تُتّخذ خطوات جريئة نحو إعادة بناء الثقة بين المؤسسات والمجتمع، فإن فرنسا ماضية نحو مرحلة اضطراب سياسي واجتماعي قد تمتد آثارها إلى عمق الاتحاد الأوروبي.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا