آخر الأخبار

خبير سياسي لـ"الجزائر الآن": احتجاجات "جيل زد" في المغرب بوادر أزمة شرعية ونظريات المؤامرة لن تنقذ المخزن

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

خبير سياسي لـ”الجزائر الآن”: احتجاجات “جيل زد” في المغرب بوادر أزمة شرعية ونظريات المؤامرة لن تنقذ المخزن

الجزائرالٱن _ في تطور لافت على الساحة المغربية، تشهد المملكة منذ السابع والعشرين من سبتمبر الماضي موجة احتجاجات واسعة قادها شباب تحت اسم حركة ” جيل زد 212″، في ما يعتبر أكبر حركة احتجاجية تعرفها البلاد منذ سنوات. الاحتجاجات التي امتدت لأكثر من ثمانية أيام متواصلة وشملت أكثر من 11 مدينة مغربية، أثارت تساؤلات عديدة حول مستقبل الاستقرار السياسي في المغرب، خاصة مع اقتراب موعد تنظيم البلاد لكأس الأمم الإفريقية في ديسمبر القادم.

التقت “الجزائر الآن” بالدكتور عبد الحكيم بن صالح، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والمتخصص في الحركات الاجتماعية في منطقة المغرب العربي، الذي قدم قراءة معمقة لأبعاد هذه الاحتجاجات وتداعياتها المحتملة على المستويات الاجتماعية والسياسية والرياضية.

الحراك ليس حدثا عابرا بل هو نتيجة تراكمات عميقة

أكد الدكتور بن صالح أن ما تشهده المملكة المغربية اليوم ليس حدثا عابرا، بل هو تعبير عن تراكمات عميقة في البنية الاجتماعية المغربية. وأوضح أن حركة “جيل زد 212” بدأت بمطالب اجتماعية واضحة تتعلق بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، لكن طبيعة هذه الحركة وديناميكيتها تشير إلى احتمالية كبيرة لتحولها إلى مطالب سياسية أكثر جذرية.

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن المطالب الحالية تركز على ثلاثة محاور رئيسية: أولها إصلاح منظومة الصحة العامة التي تعاني من تردي كبير، ثانيها تحسين جودة التعليم ومجانيته الفعلية، وثالثها محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة. لكنه لفت الانتباه إلى أن الحركة بدأت تطالب بإقالة الحكومة، وهذا مؤشر واضح على أن المطالب تتجه نحو التسييس.

وحذر الدكتور بن صالح من الاستهانة بخطورة الوضع، مشيرا إلى أن هذه الاحتجاجات قادها جيل جديد لا يخشى السلطة، جيل نشأ في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ولديه وعي حاد بحقوقه. وقال إن هذا الجيل لا يقبل المساومة على كرامته أو مستقبله، وهو ما يجعل الحوار معه أكثر تعقيدا من الأجيال السابقة.

نظريات المؤامرة أسلوب قديم للهروب إلى الأمام

انتقد الخبير الجزائري بشدة ما وصفه بـ”لجوء النظام المغربي إلى نظرية المؤامرة الخارجية”، واعتبره أسلوبا قديما متجددا تستخدمه الأنظمة العربية عندما تعجز عن فهم الواقع أو مواجهته. وأضاف أن ما يسميهم “أبواق المخزن” يحاولون تصوير الاحتجاجات على أنها مدبرة من جهات خارجية، وهذا تبرير ساذج لا يصمد أمام التحليل العلمي.

وشدد الدكتور بن صالح على أن الحقيقة تكمن في أن المطالب التي يرفعها المحتجون هي مطالب داخلية بحتة، نابعة من معاناة يومية يعيشها المواطن المغربي. وتساءل: “عندما يطالب شاب بمستشفى يعالجه بكرامة، أو بمدرسة توفر له تعليما جيدا، أو عندما ينتقد الإنفاق الباذخ على كرة القدم بينما تتدهور الخدمات الأساسية، فهل يحتاج إلى تحريض خارجي، أم أنه يعبر عن واقع معيش؟”.

واعتبر المتحدث أن محاولة إلصاق تهمة العمالة أو التآمر بالمحتجين هي في الحقيقة هروب من المواجهة الحقيقية مع الواقع. وأكد أن النظام المغربي يحاول تشتيت الانتباه عن الأسباب الحقيقية للاحتجاجات، وهذا أسلوب لن ينجح طويلا، لأن الشارع المغربي اليوم أكثر وعيا ونضجا من أن ينطلي عليه مثل هذا الخطاب.

ولفت الدكتور بن صالح إلى أن الأخطر من ذلك هو استخدام العنف المفرط ضد المحتجين، كما حدث في وجدة عندما دهست سيارة شرطة متظاهرين، معتبرا أن هذا يعكس حالة من الهلع والارتباك لدى السلطات، وليس قوة كما يحاول البعض تصويره.

كأس إفريقيا قد تتحول من حلم إلى كابوس

وفي سياق متصل، أشار الباحث في العلوم السياسية إلى المفارقة الكبيرة التي تشهدها المملكة المغربية، حيث أن أحد محاور الاحتجاجات الرئيسية هو انتقاد الإنفاق الضخم على كرة القدم في وقت تعاني فيه الخدمات الأساسية من التدهور. وأوضح أن كأس إفريقيا 2025 المقررة من 21 ديسمبر 2025 إلى 18جانفي 2026 كانت تمثل فرصة للنظام المغربي لتلميع صورته إقليميا ودوليا، لكن الاحتجاجات الحالية قد تحول هذا الحدث الرياضي إلى عبء سياسي وأمني.

وأضاف الدكتور بن صالح أنه من الناحية التنظيمية، فإن المغرب جاهز بتسعة ملاعب موزعة على مختلف المدن، لكنه طرح السؤال الحقيقي: هل يمكن للنظام ضمان الاستقرار خلال فترة البطولة؟ وحذر من أن أي احتجاجات أثناء انعقاد الكأس ستكون محرجة جدا أمام العالم، وقد تؤدي إلى تساؤلات دولية حول الوضع الداخلي في المغرب.

وشدد الخبير على أن التوقيت حرج للغاية، موضحا أننا نتحدث عن شهرين ونصف فقط حتى انطلاق البطولة. وحذر من أنه إذا لم يتمكن النظام من احتواء الأزمة بحلول سياسية جادة، فقد نشهد مظاهرات موازية خلال المونديال، وهذا سيناريو كارثي بالنسبة للمغرب، قد يجعل البطولة تذكر بأحداث سياسية بدلا من إنجازات رياضية.

ونبه الدكتور بن صالح إلى أن الحل لا يكمن في القمع الأمني، بل في معالجة جذور المشكلة قبل فوات الأوان. وقال إن المغرب أمام خيارين: إما الاستماع لمطالب الشارع وتقديم تنازلات حقيقية، أو المضي في سياسة القمع والمخاطرة بتحويل كأس إفريقيا إلى فضيحة سياسية.

الملكية البرلمانية تعني تفكيك النظام المخزني وهذا ليس سهلا

وفيما يتعلق بالمطالب السياسية الجذرية التي بدأت تظهر على السطح، أكد الأستاذ الجامعي أن المطالبة بنظام ملكي برلماني على الطريقة الأوروبية ليست جديدة، لكنها اكتسبت زخما جديدا مع الاحتجاجات الأخيرة. وأوضح أن المطالبة بملكية برلمانية على الطراز الأوروبي، حيث يصبح الملك رمزا دون سلطة فعلية، تمثل في جوهرها مطالبة بانتقال ديمقراطي حقيقي في المغرب.

وأشار الدكتور بن صالح إلى أن النظام المغربي الحالي يقوم على ما يسمى بـ”المخزن”، وهو نظام تاريخي يمنح للملك سلطات واسعة جدا في جميع المجالات. ولفت إلى أن الانتقال إلى ملكية برلمانية يعني تفكيك هذا النظام المخزني وإعادة توزيع السلطة لصالح المؤسسات المنتخبة، وهذا تحول جذري يصعب تحقيقه بسلاسة.

وأضاف المتحدث أن الواقع يشير إلى أن مثل هذا التحول يتطلب إرادة سياسية قوية وشجاعة من النخب الحاكمة، وهو ما لا نراه حاليا في المغرب. وأكد أن النظام يقاوم أي إصلاح حقيقي، ويكتفي بإصلاحات شكلية لا تمس جوهر السلطة.

لكن الدكتور بن صالح حذر من الاستهانة بإرادة الشعوب، قائلا إن التاريخ يعلمنا أن الشعوب عندما تستيقظ، لا تقبل بأنصاف الحلول. واعتبر أن ما نشهده اليوم من احتجاجات قد يكون بداية لمسار طويل نحو التغيير، قد لا يصل إلى الملكية البرلمانية مباشرة، لكنه بالتأكيد سيفرض على النظام تقديم تنازلات أكبر مما كان يتصور.

ونبه الخبير إلى أن المشكلة تكمن في أن أي تأخير في الاستجابة لمطالب الإصلاح قد يجعل هذه المطالب أكثر راديكالية. وقال: “اليوم يطالبون بإصلاح الصحة والتعليم، غدا قد يطالبون بتغيير النظام برمته”. وختم بالقول إن التاريخ العربي في العقد الماضي مليء بالدروس التي يجب أن يتعلم منها الجميع.

المغرب يشهد تحولات عميقة والقمع لن يكون الحل

وفي ختام حديثه لـ”الجزائر الآن”، خلص الدكتور عبد الحكيم بن صالح إلى أن الاحتجاجات في المغرب ليست مجرد حدث عابر، بل هي مؤشر على تحولات عميقة في المجتمع المغربي. وشدد على أن الجيل الجديد يرفض الخضوع للسلطة التقليدية، ولديه مطالب واضحة وشرعية. وأكد أن النظام المغربي أمام امتحان حقيقي: إما أن يستجيب لنداء الإصلاح، أو أن يواجه موجات احتجاجية أكثر حدة في المستقبل.

واختتم الأستاذ الجامعي تصريحاته بالتأكيد على أن نظريات المؤامرة لن تحل الأزمة، والقمع الأمني لن يوقف الحراك، والحل الوحيد يكمن في الاستماع للشارع وتقديم إصلاحات حقيقية وليست شكلية. وقال إن المغرب يقف على مفترق طرق، والخيارات التي سيتخذها اليوم ستحدد مستقبله لسنوات قادمة.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا