الجزائر وبريطانيا: شراكة تجارية بـ2.5 مليار جنيه وهيمنة جزائرية في الميزان التجاري
الجزائرالٱن _ حققت التجارة بين الجزائر والمملكة المتحدة نمواً متواضعاً خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في مارس 2025، حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري 2.5 مليار جنيه إسترليني، مرتفعاً بنسبة 4.7% أو ما يعادل 111 مليون جنيه مقارنة بالفترة السابقة.
تُظهر هذه الأرقام احتفاظ الجزائر بموقعها كشريك تجاري رقم 63 للمملكة المتحدة، بحصة متواضعة تبلغ 0.1% من إجمالي التجارة البريطانية مع العالم. هذا التموضع يضع العلاقة التجارية في خانة الشراكات متوسطة الحجم، لكنها تتميز بطابع قطاعي واضح يميل بقوة نحو الطاقة.
اختلال الميزان التجاري يتعمق لصالح الجزائر
تكشف التفاصيل عن اختلال واضح في الميزان التجاري بين البلدين. فبينما تراجعت الصادرات البريطانية إلى الجزائر إلى 657 مليون جنيه منخفضة بنسبة 13.2%، ارتفعت الواردات البريطانية من الجزائر إلى 1.8 مليار جنيه بزيادة قوية بلغت 13.3%.
هذا التباين أدى إلى اتساع العجز في الميزان التجاري البريطاني تجاه الجزائر إلى 1.1 مليار جنيه، وهو رقم يعكس الاعتماد البريطاني المتزايد على الطاقة الجزائرية في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية.
هيمنة مطلقة للمحروقات في سلة الصادرات الجزائرية
تهيمن المنتجات الطاقوية بشكل مطلق على الصادرات الجزائرية إلى بريطانيا، حيث استحوذ النفط الخام وحده على 938 مليون جنيه، أي 59.3% من إجمالي واردات السلع من الجزائر. يتبعه النفط المكرر بـ289.3 مليون جنيه (18.3%)، ثم الغاز بـ171.1 مليون جنيه (10.8%).
هذا التركز الشديد في قطاع المحروقات يُظهر مدى اعتماد الاقتصاد الجزائري على صادرات الطاقة، رغم الجهود المبذولة للتنويع الاقتصادي. في المقابل، تظهر بعض الصناعات التحويلية كالأسمدة المعالجة والكيماويات غير العضوية، لكن بأحجام متواضعة نسبياً.
التنوع البريطاني مقابل التركز الجزائري
على النقيض من التركز الجزائري، تُظهر الصادرات البريطانية إلى الجزائر تنوعاً واضحاً في القطاعات والمنتجات. تصدرت المشروبات والتبغ قائمة الصادرات بقيمة 100.9 مليون جنيه (28.5%)، تلتها المنتجات الدوائية بـ47.3 مليون جنيه (13.4%).
كما برزت الآلات الصناعية العامة ومولدات القدرة الميكانيكية، إلى جانب قفزة لافتة لمنتجات الألبان والبيض التي وصلت إلى 18.2 مليون جنيه. هذا التنوع يعكس استراتيجية بريطانية تركز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية والأقل تأثراً بتقلبات أسعار الطاقة.
الخدمات جبهة المعركة الحقيقية للقيمة المضافة
رغم الهيمنة الطاقوية على التجارة السلعية، تكشف أرقام الخدمات عن ديناميكية مختلفة تماماً. حافظت بريطانيا على فائض في تجارة الخدمات مع الجزائر بلغ 89 مليون جنيه، رغم تراجعه عن مستوياته السابقة التي بلغت 229 مليون جنيه.
تراجعت الحصة السوقية البريطانية في قطاع الخدمات الجزائري إلى 4.8%، منخفضة 0.9 نقطة مئوية، مما يُظهر تحدياً حقيقياً أمام الشركات البريطانية للحفاظ على مواقعها في هذا القطاع الواعد الذي يمثل المستقبل الحقيقي للعلاقات التجارية المتطورة.
الاستثمارات المباشرة فجوة واضحة تحتاج معالجة
تكشف أرقام الاستثمار المباشر عن فجوة واضحة في العلاقة الاستثمارية بين البلدين. بلغ رصيد الاستثمار البريطاني المباشر في الجزائر 146 مليون جنيه نهاية 2023، مقابل 3 ملايين جنيه فقط للاستثمار الجزائري في بريطانيا، والذي تراجع بنسبة 50% عن العام السابق.
هذا التباين الصارخ يُظهر أن الاستثمارات المتبادلة تبقى ثانوية مقارنة بالتجارة، وتحتاج إلى استراتيجيات جديدة لتعزيز التدفقات الاستثمارية في الاتجاهين، خاصة من الجانب الجزائري.
التحديات والفرص في المرحلة المقبلة
تواجه العلاقة التجارية بين الجزائر وبريطانيا تحديات هيكلية واضحة، أبرزها الاعتماد المفرط على قطاع الطاقة والمحروقات. رغم النمو المحقق في 2025، فإن بيانات 2024 الكاملة أظهرت تراجعاً بنسبة 10.4% في إجمالي التجارة، مما يعكس تذبذبات السوق العالمية.
تُظهر أرقام “الأونكتاد” تحولاً في الوضع التجاري الجزائري عالمياً، حيث تحول الفائض التجاري الكبير المسجل في 2022 إلى عجز طفيف بلغ 0.3 مليار دولار في 2024. هذا التحول، إلى جانب نمو رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 38.3 مليار دولار، يعكس إعادة تموضع اقتصادي مع تقلبات عوائد الطاقة.
شراكة في مفترق طرق
تقف العلاقة التجارية بين الجزائر وبريطانيا عند مفترق طرق حقيقي. فمن جهة، تحافظ على استقرارها النسبي ونموها المتواضع، ومن جهة أخرى تواجه تحديات هيكلية تتطلب رؤية استراتيجية جديدة.
النجاح في تطوير هذه العلاقة يتطلب من الجزائر تسريع جهود التنويع الاقتصادي وتطوير الصادرات غير النفطية، بينما تحتاج بريطانيا إلى استراتيجيات أكثر فعالية لاختراق السوق الجزائرية في قطاعات الخدمات والتكنولوجيا. المعركة الحقيقية للقيمة المضافة ستُحسم في ميدان الخدمات والمنتجات التكنولوجية المتطورة، وليس في قاعات تداول النفط والغاز.