فرنسا تُجدد حربها على المساجد: إغلاق مسجد “البلوط” في مارسيليا بتهمة الدفاع عن فلسطين
أصدر محافظ إقليم بوش دو رون بمدينة مارسيليا الفرنسية، جورج فرنسوا لوكلير، قراراً بإغلاق مسجد “البلوط” خلال الأسبوع المقبل.
جاء هذا القرار بزعم أن إمام المسجد، إسماعيل، “يحرض على الكراهية والعنف” بسبب مواقفه المؤيدة للمقاومة الفلسطينية.
يمثل هذا الإجراء تصعيداً جديداً في سلسلة متواصلة من القرارات الفرنسية التي تستهدف المساجد والمسلمين تحت مبررات أمنية، لكنها تكشف في جوهرها عن نهج إقصائي ممنهج ضد الجالية المسلمة في فرنسا.
عودة الاتهامات القديمة بحُلة جديدة
لا يُعتبر قرار الإغلاق مستجداً، فقد سبق للسلطات الفرنسية أن حاولت إغلاق المسجد نفسه في أوت 2024 بذات الاتهامات، لكن محاولتها باءت بالفشل آنذاك. اليوم، تُعيد الإدارة الفرنسية إطلاق الإجراءات نفسها، مما يوحي بتصميم واضح على تحقيق هدف سياسي أكثر منه قانونياً.
هذا التكرار يكشف عن عجز الإدارة عن تقديم مبررات قانونية قوية، ويعكس في الوقت ذاته إصرارها على تضييق الخناق على أماكن العبادة الإسلامية بطرق ملتوية.
إدانة قضائية سابقة بسبب مواقف سياسية
في ماي الماضي، أصدرت محكمة فرنسية حكماً على الإمام إسماعيل بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي عبّر فيها عن موقفه من أحداث السابع من أكتوبر 2023. اعتبر الإمام هذه الأحداث دفاعاً مشروعاً عن الشعب الفلسطيني، وهو ما فسرته المحكمة كجريمة تستوجب العقاب.
هذا الحكم يُلقي الضوء على تحول خطير في المشهد القضائي الفرنسي، حيث يبدو أن التضامن مع فلسطين أصبح مُجرماً قانونياً، في تقييد واضح لحرية التعبير والرأي.
معركة قانونية تكشف تعسف السلطات
كشف موقع “لا بروفانس” أن محافظ مارسيليا واصل اتهاماته ضد الإمام، زاعماً استمراره في نشر “خطاب الكراهية”. لكن محامي المسجد، سيفن غيز، أوضح أن الإدارة لم تمنح المهلة القانونية الكاملة للرد على هذه الاتهامات، وأن الردود ستُقدم قبل 28 سبتمبر.
هذا التعجل في اتخاذ القرار يُظهر طبيعته السياسية المُسبقة، ويكشف عن رغبة في تصفية حسابات شخصية مع إمام رفض إسكات صوته أمام الضغوط.
رفض شعبي ودعم قانوني للإمام المُستهدَف
نظم الإمام إسماعيل مؤتمراً صحفياً ندد فيه بما وصفه بـ”القرار السياسي” الذي يستهدف شخصه بسبب فضحه لتنامي العنصرية ضد المسلمين في فرنسا. من جهته، اعتبر محاميه رفيق شكال الإجراء تعسفياً وغير متناسب، بل “عقاباً جماعياً” لآلاف المصلين الأبرياء.
اللافت أن الإمام يحظى بدعم واسع ليس فقط من المصلين المسلمين، بل أيضاً من شخصيات دينية يهودية في مارسيليا وقفت إلى جانبه سابقاً. هذا الدعم متعدد الأديان يُفند ادعاءات “خطاب الكراهية”، ويكشف أن المستهدَف الحقيقي هو حرية التعبير والممارسة الدينية.
تصعيد متوقع في المعركة القانونية والشعبية
لن يمر قرار إغلاق مسجد “البلوط” دون مقاومة قانونية وشعبية قوية. فالقضية تتجاوز مسجداً واحداً لتطال نهجاً عاماً يستهدف أماكن العبادة الإسلامية في فرنسا تحت مبررات قانونية هشة.
هذا التصعيد يضع السلطات الفرنسية أمام اختبار حقيقي لالتزامها بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تدّعي الدفاع عنها، ويكشف عن تناقضات صارخة بين الشعارات الرسمية والممارسات الفعلية على الأرض.
نمط ممنهج يتطلب مواجهة دولية
تمثل قضية مسجد “البلوط” نموذجاً صارخاً للسياسات التمييزية التي تمارسها فرنسا ضد مواطنيها المسلمين. استخدام ذريعة “مكافحة الإرهاب” لتبرير إغلاق المساجد ومعاقبة الأئمة على آرائهم السياسية يُظهر انحرافاً خطيراً عن المبادئ الديمقراطية.
هذا النهج الإقصائي لا يهدد فقط حقوق الأقلية المسلمة، بل يُقوض أسس التعايش والتماسك الاجتماعي في فرنسا، ويتطلب تدخلاً دولياً لحماية حقوق الإنسان وحرية الممارسة الدينية التي تُعتبر من الحقوق الأساسية في المواثيق الدولية.