آخر الأخبار

(مساهمة) النوعية في التنمية: رهان الجزائر لتحقيق تحول اجتماعي واقتصادي مستدام

شارك
مصدر الصورة
الكاتب: بقلم البروفيسور عبد القادر بريش خبير اقتصادي ونائب برلماني

النوعية في التنمية: رهان الجزائر لتحقيق تحول اجتماعي واقتصادي مستدام

الجزائرالٱن _ في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد اليوم الأحد 21 سبتمبر 2025، شدّد رئيس الجمهورية على “الحرص على تحقيق النوعية في التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية”، وهي عبارة تختزل رؤية استراتيجية واضحة للانتقال من مجرد الكمّ والإنجاز الشكلي إلى الكيف والتحول المستدام. هذا التوجيه يعكس إدراكاً عميقاً بأن التنمية الحقيقية لا تُقاس بعدد المشاريع المنجزة أو بنسب النمو المعلنة، وإنما بمدى قدرتها على إحداث أثر ملموس في حياة المواطن، وعلى جعل الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو مصاف الدول الصاعدة.

أولاً: التنمية الاجتماعية النوعية – نحو خدمات عمومية فعّالة

التنمية الاجتماعية النوعية تعني ضمان خدمات عمومية ذات جودة عالية تعزز العدالة الاجتماعية وتزيد من مناعة المجتمع.

– التعليم: ليس بعدد المدارس فقط، بل بقدرة المدرسة الجزائرية على تكوين رأسمال بشري متشبع بالقيم الوطنية، ومؤهل لمواكبة الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي.

– الصحة: لا تقاس بعدد المستشفيات، وإنما بفعالية التكفل بالمريض وضمان الولوج العادل إلى خدمات صحية راقية.

– الخدمات الحضرية: السكن، النقل، والبيئة الحضرية، يجب أن تعكس تحسناً في نوعية الحياة اليومية، بما يرسخ التماسك الاجتماعي والثقة في مؤسسات الدولة.

ثانياً: التنمية الاقتصادية النوعية – مشاريع تولد القيمة المضافة

لا تنمية اجتماعية دون قاعدة اقتصادية قوية، وهو ما يجعل جودة المشاريع الاقتصادية شرطاً محورياً. المقصود ليس فقط الاستثمار، بل الاستثمار المنتج والمستدام، القادر على خلق الثروة والشغل. ويتحقق ذلك عبر:

– تنويع الاقتصاد والتحرر من التبعية للمحروقات.

– تطوير الصناعة الوطنية ذات القيمة المضافة العالية.

– ترقية الفلاحة الذكية والحديثة.

– الاستثمار في الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة.

– دعم المقاولات الناشئة والابتكار كقاطرة للنمو المستقبلي.

ثالثاً: العلاقة التلازمية بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية

التجارب الدولية تثبت أن التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية لا يمكن فصلهما.

– اقتصاد قوي يوفر التمويل الكافي لاستمرارية الخدمات الاجتماعية.

– مجتمع متماسك ومُمكَّن يشكل قاعدة بشرية تدعم النمو الاقتصادي.

إن العلاقة بينهما علاقة تلازم وتكامل عضوي: لا قيمة لاقتصاد قوي يترك شرائح مجتمعية مهمشة، ولا جدوى من خدمات اجتماعية نوعية دون اقتصاد قادر على تمويلها وضمان استدامتها.

رابعاً: شرط النوعية في المؤسسات والسياسات والحكومة

تحقيق التنمية النوعية يفرض وجود مؤسسات فعّالة، سياسات عمومية ذكية، وحكومة رشيدة. وفي هذا السياق، نستحضر مقولة الفيلسوف الاقتصادي أمارتيا سِن: “التنمية حرية”، بما تعنيه من أن التنمية لا تكتمل إلا بتوفر مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي تصان فيه الحريات، وتُكفل فيه العدالة، وتُحترم فيه الحقوق.

– المؤسسات النوعية: مؤسسات حديثة، شفافة، قادرة على استيعاب التحولات الكبرى، وترسيخ الثقة بين الدولة والمجتمع.

– السياسات العمومية: يجب أن تكون مرنة، مبنية على التخطيط الاستراتيجي والمعطيات الدقيقة، وموجهة نحو النتائج الملموسة.

– الحوكمة الجيدة: شرط أساسي لتحقيق الكفاءة والفعالية في التسيير، وضمان حسن استخدام الموارد العمومية، بما يعزز الثقة ويضمن الاستدامة.

خاتمة

إن رهان الجزائر اليوم هو رهان النوعية: نوعية في التنمية الاقتصادية تولد الثروة، نوعية في التنمية الاجتماعية تحسن حياة الناس، ونوعية في المؤسسات والسياسات تكفل الاستدامة. إنها معادلة ثلاثية مترابطة تجعل من الجودة والفعالية والحريات مبدأً موجهاً لكل السياسات العمومية، وضمانة لمستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً للجزائر وشعبها.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا