آخر الأخبار

مستقبل أسود للاقتصاد الفرنسي.. خبير يكشف تداعيات سقوط حكومة بايرو

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

مستقبل أسود للاقتصاد الفرنسي.. خبير يكشف تداعيات سقوط حكومة بايرو

الجزائرالٱن _ في ظل الاضطرابات السياسية المستمرة التي تشهدها فرنسا، وبعد سحب الثقة من حكومة فرانسوا بايرو أمس الاثنين، والتي لم تصمد سوى تسعة أشهر فقط تماما كما حدث مع سلفه ميشيل بارنيي، تتصاعد التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد الفرنسي وقدرته على مواجهة التحديات المقبلة. هل ستتمكن فرنسا من تجاوز أزمتها الاقتصادية المتفاقمة؟ وما هي الآثار الحقيقية لعدم الاستقرار السياسي على الأسواق المالية والاستثمارات؟ وهل يمكن أن تواجه فرنسا مصير اليونان نفسه؟

في محاولة للإجابة على هذه التساؤلات الحرجة، يقدم البروفيسور عبد الحكيم بوحرب من جامعة البليدة 2، في تصريحات خص بها الجريدة الإلكترونية “الجزائر الآن”، قراءة تحليلية عميقة للوضع الاقتصادي الفرنسي الراهن وتداعياته المحتملة على المستويين الأوروبي والدولي.

هشاشة سياسية تنذر بكارثة اقتصادية

يشير البروفيسور بوحرب إلى أن سقوط حكومة بايرو بعد أقل من تسعة أشهر “يعكس هشاشة في التوازنات داخل الجمعية الوطنية الفرنسية التي لم تصمد لسنتين ومهددة بالحل مرة أخرى”. هذا عدم الاستقرار السياسي له انعكاسات مباشرة على الثقة الاستثمارية.

من الناحية الاقتصادية، يؤكد الخبير أن هذا الوضع “يرفع من مؤشر القلق والخوف على الاقتصاد الفرنسي وبالتالي تضاعف المخاوف الاستثمارية داخل فرنسا مما يعني خروج أكثر لرؤوس الأموال”. فرنسا التي عرفت مؤخرا نزيفا في الاستثمارات نتيجة الأوضاع الداخلية والتضخم، “أصبحت بيئة طاردة للاستثمارات”.

أزمة الديون السيادية.. القنبلة الموقوتة

تواجه فرنسا أزمة ديون متفاقمة تهدد بخنق اقتصادها. وفقا للبروفيسور بوحرب، فإن “أعباء أو خدمات الديون السيادية وصلت 66 مليار أورو في 2025، وستصل في 2026 إلى 75 مليار أورو”. هذه الأرقام المذهلة “تفوق حاليا ميزانية وزارة الدفاع وبحلول العام القادم ستتجاوز ميزانية أكبر قطاع وزاري وهو قطاع التربية”.

يحذر الخبير من أن هذا الوضع “سيؤدي إلى اختناق بطيء للاقتصاد الفرنسي”، مشيرا إلى أن العجز العام بلغ حاليا 60% والدين العام يقدر بـ 114% من الناتج المحلي الإجمالي، “وقد تجاوز بكثير النسبة المسموح بها”.

خطر التصنيف الائتماني والمقارنة باليونان

يتوقع البروفيسور بوحرب في حديثه لـ “الجزائر الآن”، أن يتم “إعادة تصنيف فرنسا وسيتم تخفيض درجة ائتمانها مما يدل على ارتفاع معدل المخاطر”. هذا التطور سيؤثر بشكل كبير على “ثقة المستثمرين والشركات المالية في فرنسا”.

الأخطر من ذلك هو ظهور “نقاشات حول إمكانية تدخل صندوق النقد الدولي، فبعض القادة السياسيين لم يستبعدوا لجوء فرنسا لصندوق النقد الدولي ولو على المستوى البعيد”. ويضيف: “لا نستبعد أن تعيش فرنسا نفس السيناريو الذي عاشته اليونان، وهي تقترب من ذلك شيئا فشيئا”.

الأزمة الاجتماعية.. عشرة ملايين فقير والعدد في ازدياد

على المستوى الاجتماعي، تشهد فرنسا تدهورا خطيرا في الأوضاع المعيشية. يؤكد البروفيسور بوحرب أن “هناك تأثيرا مباشرا على الطبقة المتوسطة التي تعرف هشاشة كبيرة مع تراجع القدرة الشرائية”، مشيرا إلى أن “آخر التقارير تشير إلى وجود 10 ملايين فقير في فرنسا، ونسبة البطالة ترتفع، ونسبة الفقر تزداد”.

يحذر الخبير من موجة اضطرابات اجتماعية قادمة، خاصة مع “وجود إغلاق شامل دعت إليه منظمات نقابية وهذا قد يؤدي إلى ما حدث مع تظاهرات السترات الصفراء سنة 2018”.

تراجع النفوذ الدولي وفقدان الشبكات الخارجية

يشير التحليل إلى أن الأزمة ستؤثر على “الوزن الديبلوماسي لفرنسا ما يعني أنها لن تكون قادرة على الحفاظ على شبكاتها الخارجية التي تراجعت كثيرا في السنوات الأخيرة”. فرنسا “فقدت نفوذها التاريخي في الكثير من دول إفريقيا وحتى في لبنان، وهو ما يفقدها رؤوس أموال واستثمارات كبيرة”.

البروفيسور بوحرب يؤكد أن “فرنسا كانت تبني نفوذها الاقتصادي على أساس نفوذها الاستعماري، كانت تستفيد إلى حدود 500 مليار سنويا من إفريقيا” من خلال الفرنك الإفريقي و15 دولة إفريقية تتعامل به.

تداعيات أوروبية.. انهيار نظرية الدومينو

على المستوى الأوروبي، يحذر الخبير من أن “الأسواق المالية الفرنسية قد تشهد تراجعا وهذا يعني انتقال الأزمة إلى الأسواق الأوروبية، وفق نظرية الدومينو”. هذا التطور “يمثل خللا في الأداء المالي الأوروبي وقد تمتد هذه الأزمة إلى سنوات”.

يؤكد البروفيسور أن “انفجار الأزمة في فرنسا يعني انفجارها في باقي الدول على رأسها إسبانيا وإيطاليا ودول أخرى”، مما يعني أن “الهشاشة المالية ستستمر إلى سنوات أخرى داخل الاتحاد الأوروبي”.

أزمة النظام الجمهوري.. نحو جمهورية سادسة؟

في ظل تفاقم الأزمات المتعددة، يطرح البروفيسور بوحرب سيناريو أكثر جذرية قد تواجهه فرنسا. يشير الخبير إلى أن “هناك من يشخص الأزمة في النخب السياسية الحاكمة في فرنسا، وسيتم الدعوة إلى شكل جديد من أشكال الجمهورية ولما لا دستور جديد”.

هذا التطور المحتمل يعكس عمق الأزمة الهيكلية في النظام السياسي الفرنسي، حيث قد تضطر البلاد إلى “مناقشة ديمقراطية فرنسا” نفسها. الحديث عن جمهورية جديدة ليس مجرد تكهنات، بل يأتي في سياق فشل النظام الحالي في إيجاد حلول مستدامة للأزمات المتراكمة.

يؤكد البروفيسور بوحرب أن الحل يتطلب “إعادة مراجعة المنظومة السياسية التي كانت سببا في الأزمة”، مما يفتح الباب أمام تغييرات دستورية وهيكلية جوهرية قد تعيد تشكيل النظام السياسي الفرنسي من الأساس.

الحلول المعقدة والآفاق المسدودة

بخصوص الحلول المتاحة، يؤكد البروفيسور بوحرب أن “الحكومة السابقة تم إسقاطها بسبب سياسة التقشف ورغبة فرنسا في خفض النفقات بأكثر من 40 مليار دولار”، وبالتالي اللجوء إلى التقشف وترشيد الأموال سيكون حلا غير قابل للتجسيد، خاصة في ظل “تباطؤ النمو المتراجع إلى 1.5%”، ولهذا فالحلول “معقدة”، فالإنعاش “يعني ضخ أموال ما يعني زيادة الديون وهذا يرجعنا إلى نقطة الصفر”.

الحل البديل المتمثل في “تخفيض سعر الفائدة” سيؤدي إلى “رفع التضخم، وبالتالي الإنعاش الاقتصادي ستكون له فاتورة وسيعيد رسم اللاستقرار النقدي بشكل جديد”.

مستقبل مظلم في الأفق

يخلص البروفيسور بوحرب في تصريحاته لـ”الجزائر الآن”، إلى أنّ فرنسا تواجه “أزمة قد تؤدي إلى الإفلاس أو على الأقل صدمات مالية واقتصادية قوية جدا”. ويؤكد أن فرنسا “لن تتمكن من تجاوز أزمتها في الأمد القريب واقتصادها وأسواقها المصرفية ستتعرض لهزات عنيفة ستضاعف من أزمة الديون السيادية”.

النتيجة النهائية ستكون “خروج أكبر للاستثمارات من فرنسا وستعقد من تعاملاتها وتواجدها في الاتحاد الأوروبي وسيزداد صغر وزنها الديبلوماسي دوليا”. هذا التشخيص القاتم يضع فرنسا أمام تحديات جسيمة قد تعيد تشكيل خريطة النفوذ الاقتصادي والسياسي في أوروبا والعالم.

شارك

الأكثر تداولا اسرائيل حماس نتنياهو

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا