من الحزم إلى التوسّل… ازدواجية ساركوزي في حواره مع “لوفيغارو”
الجزائر الآن _ لا يملّ الساسة الفرنسيون من إظهار وجهين متناقضين في آن واحد: يدعون إلى التشدد والصرامة مع الجزائر، وفي اللحظة نفسها يستجدون تعاطف الرئيس عبد المجيد تبون “كرماً وإنسانية” لإطلاق سراح فرنسيين موقوفين.
هذه الازدواجية الصارخة تجلّت بوضوح في تصريحات الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي أدلى بحوار مطوّل لصحيفة لوفيغارو .
في تماهٍ كامل مع خطاب الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون ، دعا ساركوزي إلى ما سماه “الحزم” مع الجزائر، محمّلاً باريس مسؤولية ضعف موقفها.
قال بالحرف : “ فلنكن حازمين مع الجزائر بقدر ما تسمح لنفسها بأن تكون مع فرنسا… يؤسفني القول إن موقف فرنسا يصعب فهمه .”
من الحزم إلى التوسّل… ازدواجية ساركوزي في حواره مع “لوفيغارو”
بل مضى أبعد من ذلك حين حرّض على تشديد التأشيرات وربطها بإجبار الجزائر على استقبال مهاجرين مرحّلين، مقترحاً قاعدة مهينة: “ تأشيرة واحدة مقابل عودة مهاجر غير شرعي، أو خمس أو عشر تأشيرات لكل واحد منهم .”
والمفارقة التي تكشف نفاق هذا السياسي تكمن في أنه، وفي السياق نفسه، وجّه خطاباً توددياً إلى الرئيس عبد المجيد تبون قائلاً : “ أفهم أنه يجب أن نثق في كرم الرئيس الجزائري وإنسانيته …”
في محاولة لاستدرار قرار بالعفو عن بوعلام صنصال وكريستوف غليز.
ولا ندري إن كان ساركوزي كان في كامل قواه العقلية وهو يدلي بهذه التصريحات، فكيف يمكن لسياسي يدعو إلى التضييق على الجزائريين أن يطلب في الوقت نفسه عطف الجزائر على مواطنيه؟ إنها مفارقة تكشف ازدواجية المعيار الفرنسي بأبشع صورها .
الأكثر إثارة للسخرية أن صاحب هذه التصريحات ليس سوى نيكولا ساركوزي، الذي حَكم عليه القضاء الفرنسي بالسجن في قضايا فساد وتمويلات غير شرعية، وهو اليوم يخضع لإقامة جبرية بسوار إلكتروني في قدمه مثل أي مجرم عادي. فهل يحق لرجل مُدان بالفساد أن يوزّع الدروس في “الحزم” و”القانون الدولي”؟ أليس من الأجدر به أن يصمت احتراماً لما تبقّى من سمعة الدولة الفرنسية التي لوّثها هو نفسه؟
تصريحات ساركوزي ليست سوى انعكاسٍ لأزمة أعمق يعيشها التيار اليميني الفرنسي: يريدون مهاجمة الجزائر لإرضاء نزعة استعمارية قديمة، وفي الآن ذاته يحتاجون الجزائر في ملفات الهجرة والطاقة والأمن.
في هذا التناقض، يفضحون أنفسهم قبل غيرهم، ويثبتون أن خطابهم ليس سوى مزيج من النفاق السياسي والعجز الاستراتيجي.