الجزائرالٱن _ تستعد الجزائر لاحتضان الدورة الرابعة للمعرض التجاري والاستثماري الإفريقي البيني (IATF 2025) في الفترة ما بين 4 و10 سبتمبر المقبل، وهو حدث استثنائي يضع الجزائر في قلب الخريطة الاقتصادية القارية. هذا الموعد، الذي يجمع أكثر من 2000 عارض من 75 دولة و35 ألف زائر مهني، يشكل فرصة لإعادة صياغة معادلات التكامل والاندماج الاقتصادي الإفريقي، وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAf) بما يجعل من إفريقيا فضاءً اقتصادياً موحداً وقادراً على المنافسة في الاقتصاد العالمي.
إنه موعد لا يمثل مجرد معرض، بل منصة لإطلاق ديناميكية اقتصادية جديدة تنسجم مع أجندة إفريقيا 2063، وتعكس الطموح في بعث نهضة اقتصادية وتنموية شاملة تقودها الجزائر بثقة وريادة.
البعد الاقتصادي: نحو نهضة تنموية إفريقية
تمثل إفريقيا “الحدود الجديدة للنمو العالمي” بفضل ثرواتها الطبيعية الهائلة، قواها البشرية الشابة، وتطورها التكنولوجي المتسارع. ومع ذلك، لا تتجاوز المبادلات التجارية البينية بين الدول الإفريقية 15% من مجموع المبادلات، مقابل أكثر من 60% في أوروبا وآسيا. هنا يكتسي المعرض البيني الإفريقي أهميته باعتباره منصة لتكثيف المبادلات، تحفيز الشراكات جنوب–جنوب، وإزالة الحواجز التجارية التي تعيق الاندماج الاقتصادي.
إن نجاح الدورة الرابعة لهذا المعرض في الجزائر يمكن أن يكون نقطة انطلاق لمشروع قاري أشمل تحت مسمى “Expo African”، يُعنى بدفع النموذج الاقتصادي الإفريقي نحو ديناميكية جديدة قائمة على:
-تنويع القاعدة الإنتاجية والصادرات خارج المواد الأولية.
-تطوير شبكات لوجستية وممرات تجارية عابرة للحدود.
-تعزيز قدرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتكون طرفاً فاعلاً في التجارة القارية.
-ترسيخ الاندماج المالي والنقدي لدعم السوق الإفريقية الموحدة.
الجزائر كقاطرة للتكامل الإفريقي:
منذ 2019، تبنت الجزائر استراتيجية واضحة جعلت إفريقيا محور سياستها الاقتصادية والدبلوماسية وقد تجسدت هذه الرؤية في:
1-إطلاق صندوق بقيمة مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية إفريقية.
2-مشاريع بنية تحتية استراتيجية مثل الطريق العابر للصحراء، أنبوب الغاز الجزائري–النيجيري، وخطوط الألياف البصرية.
3-مبادرات لتعزيز الصادرات خارج المحروقات في مجالات الفلاحة، الصناعات الغذائية، مواد البناء، والصيدلة.
هذه المشاريع ليست مجرد استثمارات وطنية، بل أدوات لربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي، وتكريس الجزائر كقاطرة للتكامل الاقتصادي القاري ونهضة تنموية مستدامة في خدمة أجندة إفريقيا 2063.
الدبلوماسية الاقتصادية: أداة القوة الناعمة الجزائرية:
تلعب الدبلوماسية الاقتصادية دوراً محورياً في رؤية الجزائر الجديدة. فباستقطاب شركاء أفارقة ودوليين إلى معرض IATF 2025، تقدم الجزائر نفسها كمنصة موثوقة للتجارة والاستثمار. إنها ليست فقط سوقاً ناشئة، بل بوابة استراتيجية نحو إفريقيا جنوب الصحراء، ومركزاً يربط بين القارة الأوروبية والفضاء المتوسطي والعمق الإفريقي.
هذا التموضع يعزز صورة الجزائر كقوة دبلوماسية تجمع بين الصرامة السياسية والفعالية الاقتصادية، ويجعلها طرفاً رئيسياً في بناء السوق الإفريقية الموحدة وتعزيز التنمية المستدامة.
البعد الجيوسياسي: الجزائر من الجدار إلى الجسر
لم تعد الجزائر تكتفي بدور “الجدار” في مواجهة التهديدات الأمنية، بل باتت تتحرك بمنطق “الجسر” الذي يوصل بين الفضاء المتوسطي والقارة الافريقية
الجزائر بموقعها الاستراتيجي و بشريطها الساحلي الأطول على المتوسط وعمقها الإفريقي – يجعلها حلقة وصل طبيعية بين أوروبا وإفريقيا، وبين المتوسط والفضاء القاري.
هذا الموقع يمنحها قدرة فريدة على هندسة شراكات إقليمية عابرة للقارات في مجالات الطاقة، اللوجستيك، والتجارة، وهو ما يكرس دورها القيادي في خدمة النهضة الإفريقية الكبرى وتحقيق اجندة افريقيا للتنمية 2063.
وفي الاخير
إن الدورة الرابعة للمعرض التجاري والاستثماري الإفريقي البيني ليست مجرد تظاهرة اقتصادية، بل هي إعلان عن ولادة مرحلة جديدة في مسار التكامل الإفريقي. فالجزائر ومن خلال استثمار موقعها الجغرافي وقوتها الاقتصادية والدبلوماسية، تعمل على الانتقال إلى دور الفاعل و صانع النهضة القارية.
وتعمل على ان تتحول إلى منصة لإطلاق مشروع “Expo African”، بما يعكس طموحها في أن تكون رائدة وقاطرة للتنمية المستدامة، وقوة واثقة تسهم في تجسيد أجندة إفريقيا 2063، لتبقى الجزائر في قلب مستقبل التحول الإفريقي وتعزيز مكانة ودور القارة الافريقية مع مختلف الشركاء والفاعلين على المستوى العالمي.