أكد المحلل الاقتصادي، عبد النور قاشي، أن الجزائر باتت تمتلك ورقة اقتصادية قوية تمكنها من فرض شروطها على الشركاء الدوليين، مشيرا إلى أن من لا يحترم السيادة الجزائرية سيخسر سوقا استراتيجية في إفريقيا والبحر المتوسط.
وقال قاشي في تصريح خاص لجريدة “الإخبارية”، إن “العلاقات الاقتصادية بين الدول تبنى على أسس راسخة من الاحترام المتبادل والاستقرار السياسي والمنافع المشتركة، لكن للأسف يبدو أن فرنسا ما زالت أسيرة نظرتها الفوقية وخلفيتها الاستعمارية البالية”.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن “فرنسا مدفوعة بتشدد يمينها المتطرف وعدوانيته تجاه الجزائر، وهو ما يدفعها وبإرادتها نحو الهاوية في علاقاتها مع شركائها وعلى راسهم الجزائر”، وتابع قاشي “فرنسا لم تحفظ الدرس من تجربة الجزائر مع إسبانيا حين أدى الإخلال بمبادئ الاحترام المتبادل إلى تدهور العلاقات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، واليوم في ظل تقارب جزائري إيطالي متين خاصة في مجال الطاقة يزداد تكالب الجانب الفرنسي الذي يرفض استيعاب حقيقة الجزائر الجديدة”.
وكشف المحلل عن أرقام مهمة قائلا: إن “حجم المبادلات الجزائرية الفرنسية بلغ 11 مليار دولار مع ميل الميزان التجاري لصالح الجزائر بفائض قدره مليار ونصف دولار، وهذه الأرقام لا تعجب باريس لكنها حقيقة اقتصادية لا يمكن إنكارها”، وأوضح أن “الشركات الفرنسية ورجال الأعمال الفرنسيين هم أول المتضررين من هذه التوترات، حتى أن بعضهم يناشد حكومته للعودة إلى التعقل حفاظا على مصالحهم واستثماراتهم”.
وحذر قاشي من أن تعنت باريس سيؤدي إلى رهن مستقبل أكثر من 400 شركة فرنسية تنشط في الجزائر، وتقليص حضورها الاستثماري ليس فقط في السوق الجزائرية بل في كامل القارة الإفريقية.
وتطرق محدثنا إلى ما وصفه بالصفعة الاقتصادية قائلا: “لعل أكبر الصفعات الاقتصادية التي تلقتها باريس كانت قرار الدولة تقليص وارداتها من القمح الفرنسي، والتوجه نحو أسواق بديلة وعلى رأسها روسيا، وهو ما شكل ضربة موجعة لقطاعها الزراعي”، وأضاف “فرنسا لم تستوعب بعد النمو الاقتصادي المتسارع الذي تحققه الجزائر ولا حجم التنويع الذي تنتهجه في شراكاتها الإقليمية والدولية، في المقابل يواجه الاقتصاد الفرنسي أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة ومديونية ثقيلة ما يجعل أي خسارة لشريك بحجم الجزائر أكثر إيلاما”.
وبالأرقام، أوضح قاشي أن بيانات 2024 تشير إلى أن فرنسا لم تعد الشريك التجاري الأول للجزائر كما كانت لعقود، حيث تراجعت حصتها في التجارة الجزائرية إلى أقل من 10 بالمائة مقابل صعود شركاء جدد.
وفصل المحلل الاقتصادي هذه الشراكات الجديدة قائلا: “إيطاليا أصبحت الشريك الأول للجزائر في الطاقة بحجم تبادل تجاوز 17 مليار دولار، فيما تعتبر الصين أكبر مصدر للجزائر في السلع والمعدات بحجم يفوق 9 مليارات دولار، كما حققت إسبانيا وتركيا وروسيا اختراقات قوية في مجالات الطاقة والحبوب والصناعة التحويلية”.
وأكد المتحدث ذاته أن هذا التنويع ليس مجرد توجه ظرفي بل سياسة اقتصادية ممنهجة بدأت منذ 2020 هدفها كسر التبعية لأي شريك والتفاوض من موقع قوة مع الجميع، والنتيجة واضحة، فالجزائر اليوم تستطيع ان تغير معادلات السوق وتعيد رسم خريطة تحالفاتها الاقتصادية بما يخدم مصالحها الوطنية أولا وأخيرا.
وختم المحلل الاقتصادي عبد النور قاشي، تصريحه قائلا: “الجزائر اليوم لا تعود إلى الوراء، من أراد شراكة معنا فليأتي بعقلية الاحترام والتكافؤ وإلا فلن يجد له موطئ قدم في سوقنا”.
وأضاف “ثرواتنا وطاقتنا وموقعنا الاستراتيجي وإرادتنا السياسية تجعلنا في موقع تفاوضي لم نحظ به من قبل، هذه ليست مرحلة مجاملة أو تنازلات بل مرحلة فرض إرادتنا الاقتصادية على أساس المصالح الوطنية”.
وتابع “على الشعب الجزائري أن يعي أن قوته الحقيقية تبدأ من اقتصاده ومن دعمه لسياسات تضع السيادة فوق كل اعتبار، فالبلاد اليوم تفاوض من موقع القوة ومن لا يفهم ذلك سيفهمه غدا لكن بعد فوات الأوان”.