الجزائرالٱن _ أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي تعيين الجنرال داغفين أندرسون قائدًا جديدًا للقيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، وهو أول ضابط من القوات الجوية الأمريكية يتولى هذا المنصب منذ تأسيس القيادة عام 2007. جاء هذا التعيين بعد تصويت بالإجماع قبيل العطلة الصيفية لعام 2025، ويعد خطوة مهمة في توجهات واشنطن العسكرية والاستراتيجية في القارة السمراء.
مسيرة مهنية متنوّعة وخبرة قيادية واسعة
وُلد داغفين أندرسون عام 1970، وتخرج من جامعة واشنطن في سانت لويس حاملاً شهادة بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، والتحق بالقوات الجوية الأمريكية برتبة ملازم ثان في 1992. امتدت خبراته القيادية على عدة وحدات عسكرية منها قيادة سرب العمليات الخاصة 19 في فلوريدا، ومجموعة العمليات 58 والجناح 58 للعمليات الخاصة في قاعدة كيرتلاند بنيو مكسيكو.
خدم أندرسون كذلك في ألمانيا حيث قاد وحدة العمليات الخاصة في إفريقيا (SOC-Africa) من 2019 حتى 2021، مما منحه معرفة معمقة بالتحديات الأمنية في القارة. هذا التنوع في الخبرات العسكرية مكنه من فهم التهديدات وتقييم الفرص لتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.
مواجهة التحديات الأمنية والعمليات القتالية
أبرز اختبار لقيادة أندرسون كان في جانفي 2020 عندما تعرضت منشأة عسكرية أمريكية في منطقة ماندا باي بشمال كينيا لهجوم من قبل مقاتلي حركة الشباب، أسفر عن مقتل جندي أمريكي ومتعاقدين اثنين. بعد تحقيقات أظهرت عدة إخفاقات قيادية ولوجستية، عمل أندرسون على تعزيز قدرة القوات الخاصة، ونجح في أكتوبر من نفس العام في قيادة عملية مشتركة لتحرير مواطن أمريكي في النيجر بدون خسائر بشرية.
تقييم الاستراتيجية في الصومال وفتح قنوات الحوار
يُعرف أندرسون بموقفه المتحفظ في ما يتعلق بالتواجد الأمريكي في الصومال، إذ أشار إلى ضرورة إعادة تقييم الأولويات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الفيدرالية الأعضاء في البلاد. مع استمرار الدعم الأمريكي لمكافحة الإرهاب، عبّر عن انفتاحه على التعاون مع مختلف الفاعلين السياسيين والعسكريين لضمان الاستقرار.
تعزيز الشراكات وابتكار الحلول وسط تحديات الموارد
أثناء جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ، أقر أندرسون بصعوبة الوضع في مواجهة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة والقاعدة وحركة الشباب، خاصة في المناطق التي تخرج عن سيطرة الحكومات المحلية في الساحل والصومال. ورغم تقلص المساعدات الأمريكية، أكد عزمه على البحث عن “طرق مبتكرة” لتعزيز التعاون مع الشركاء في أفريقيا من خلال التنسيق مع وزارة الخارجية والمنظمات غير الحكومية.
العلاقات مع النيجر وتحدي الانقلابات
على الرغم من الانقلاب العسكري الذي أطيح فيه بالرئيس محمد بازوم واضطرار القوات الأمريكية لإخلاء قاعدتها في أغاديز، أعرب أندرسون عن تفاؤل حذر بشأن استمرارية العلاقات مع الجيش النيجرى قائلاً إن هناك فرصة لاستعادة التعاون متى ما سنحت الظروف.
الصين.. منافس استراتيجي متصاعد في إفريقيا
رغم أن مكافحة الإرهاب تبقى أولوية أفريكوم، حذر أندرسون من التوسع الصيني في القارة، لا سيما في مجالات التكنولوجيا الرقمية والدعاية إلى جانب مشاريع البنية التحتية ذات الاستخدام العسكري والمدني. وأكد أن الصين تسعى إلى بناء شبكة من العملاء والزبائن، في حين أن الولايات المتحدة تحاول بناء تحالفات وشراكات قائمة على المصالح المشتركة، ما يضع الطرفين في مواجهة مباشرة على الساحة الإفريقية.
دعم القوة الناعمة وتعزيز الاستثمار الاقتصادي
في مواجهة الانتقادات الموجهة إلى خفض المساعدات، تجنب أندرسون مهاجمة الإدارة الأمريكية مباشرة لكنه شدد على أهمية تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة، ودعم القوة الناعمة عبر التعاون الوثيق مع وزارة الخارجية والمنظمات المدنية. كما أشار إلى دور الجيش الأمريكي في دعم الدبلوماسية التجارية، مؤكداً أن اقتصاد الولايات المتحدة يمثل ركيزة رئيسية لقوتها على المستوى العالمي.
نموذج جديد في القيادة
الجنرال داغفين أندرسون يمثل نموذجاً جديداً بقيادته أفريكوم، فهو أول ضابط جوي في هذا المنصب، يحاول الموازنة بين التحديات الأمنية المعقدة في إفريقيا ومتطلبات بناء شراكات مستدامة، مع مواجهة التحديات الجيوسياسية خصوصاً مع صعود النفوذ الصيني. كما أنه يعكس توجهاً لإعادة تقييم الاستراتيجيات القديمة، خصوصاً في الصومال، والعمل على بناء علاقات أكثر مرونة وفاعلية مع الفاعلين المحليين.
هذا التعيين يؤشر إلى فترة جديدة في قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا، من المتوقع أن تشهد تحولات في طبيعة العمليات والدعم، مع التركيز على الدمج بين القوة العسكرية والسياسة الدبلوماسية والاقتصادية.