الجزائرالٱن _ في مقال نشره موقع “إندبندنت عربية” بعنوان “زيارات متبادلة واتفاقات… ماذا تريد إثيوبيا من الجزائر؟”، أعدّه الباحث في الشؤون الإفريقية هاشم علي حامد محمد، جرى التطرق بإسهاب إلى الخلفيات التاريخية والسياسية التي شكلت قاعدة صلبة للعلاقات الجزائرية – الإثيوبية، وكيف تطورت إلى شراكة استراتيجية شاملة، تجمع بين البعد السياسي والاقتصادي والأمني .
زيارات رفيعة المستوى تعكس الزخم
أوضح الباحث أن زيارة وزير الخارجية الإثيوبي جيديون طيموتيوس إلى الجزائر في أوت الجاري لم تكن حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل جاءت بعد سلسلة تحركات دبلوماسية مكثفة، أبرزها زيارة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى الجزائر في أوت 2022، التي مثّلت أول زيارة رسمية له منذ توليه منصبه .
هذه الزيارات، بحسب المقال، تشير إلى وجود أجندة واضحة لدى الطرفين لتقوية روابط التعاون، ليس فقط على مستوى الحكومات، بل أيضًا عبر قنوات اقتصادية وتجارية وأمنية. الزخم الدبلوماسي يعكس رغبة متبادلة في استثمار المناخ الإقليمي المضطرب لإعادة رسم موازين القوة في القارة، خاصة أن الجزائر تملك ثقلًا مغاربيًا وعربيًا، فيما تعد إثيوبيا لاعبًا رئيسيًا في شرق إفريقيا .
جذور تاريخية ومواقف مشتركة
ترتبط الجزائر وإثيوبيا بتاريخ طويل من التعاون والتضامن، بدأ منذ ستينيات القرن الماضي في سياق حركات التحرر الإفريقية. في تلك المرحلة، جمع النضال ضد الاستعمار بين قادة البلدين؛ الإمبراطور هيلاسلاسي و الرئيس هواري بومدين ، اللذان كانا من أبرز المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 .
هذا التاريخ المشترك لم يكن مجرد شعارات، بل تجسّد في دعم الجزائر للحركات المناهضة للاستعمار في إفريقيا، بما في ذلك الموقف المؤيد لإثيوبيا في مواجهة النزاعات الإقليمية. كما لعبت الجزائر دورًا دبلوماسيًا محوريًا في إنهاء الحرب بين إثيوبيا وإريتريا (1998-2000) من خلال رعاية “اتفاق الجزائر”، وهو ما عزز صورتها كوسيط نزيه في القارة .
أبعاد سياسية واقتصادية
يشير المقال إلى أن التقارب الجزائري – الإثيوبي اليوم يتجاوز الرمزية التاريخية، إذ أصبح قائمًا على حسابات سياسية واقتصادية دقيقة. إثيوبيا ترى في الجزائر بوابة نحو العالم العربي، خاصة مع توتر علاقاتها مع مصر والسودان بسبب ملف سد النهضة. ومن خلال هذه الشراكة، يمكن لإثيوبيا كسب دعم عربي محايد نسبيًا، ما يمنحها مساحة للمناورة الدبلوماسية .
أما الجزائر، فتنظر إلى إثيوبيا كحليف استراتيجي في شرق إفريقيا، ومقر لمؤسسات الاتحاد الإفريقي، بما يتيح لها تعزيز حضورها في دوائر صنع القرار القاري. اقتصاديًا، تمثل إثيوبيا سوقًا صاعدة في مجالات الطاقة، والبنية التحتية، والزراعة، وهي قطاعات يمكن للجزائر الاستثمار فيها بما يخدم التنويع الاقتصادي الذي تسعى إليه .
خطوات عملية لتعزيز الشراكة
من أبرز مظاهر هذا التعاون، توقيع بروتوكول شراكة شامل يغطي قطاعات حيوية مثل الصناعة والزراعة والتعليم والتدريب الفني والتعاون الأمني. ويمثل إطلاق خط جوي مباشر بين الجزائر وأديس أبابا في سبتمبر 2023 خطوة عملية لتعزيز التواصل اللوجستي والتجاري، خاصة أن هذا الخط يربط شمال إفريقيا بشرقها بشكل أسرع وأكثر فاعلية .
الباحث يشير إلى أن هذه الخطوة ليست مجرد وسيلة نقل، بل هي ركيزة لفتح مجالات أوسع للتبادل التجاري والسياحي، وتسهيل وصول السلع الجزائرية إلى أسواق شرق إفريقيا، والعكس صحيح بالنسبة للصادرات الإثيوبية .
سد النهضة… البعد العربي في الحسابات الإثيوبية
واحدة من النقاط الجوهرية التي يسلط عليها المقال الضوء هي البعد العربي في تفكير إثيوبيا بشأن سد النهضة. فبينما تشهد علاقاتها مع مصر والسودان توترات حادة، ترى في الجزائر شريكًا عربيًا لا ينحاز لطرف ضد الآخر، وقادرًا على لعب دور وساطة مقبول .
الجزائر، بدورها، توازن بين التضامن العربي ومصالحها الإفريقية، ما يمنحها موقعًا فريدًا يمكن أن تستخدمه لخفض التوترات، وتعزيز الحوار، وربما صياغة تفاهمات حول إدارة الموارد المائية في حوض النيل الأزرق .
رؤية إفريقية موحدة
أشاد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال لقائه نظيره الإثيوبي، بالعلاقات التي وصفها بـ”النموذجية”، مؤكدًا أنها تمثل نموذجًا للتعاون الإفريقي – الإفريقي القائم على قيم التضامن ووحدة المصير .
كما أورد المقال تصريحات لرئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، ياسين أحمد، الذي اعتبر أن الشراكة بين البلدين لم تعد تقليدية، بل صارت جزءًا من استراتيجية مشتركة لخدمة أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، التي تهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والأمني للقارة، وتوحيد المواقف الإفريقية في القضايا الدولية، مثل إصلاح مجلس الأمن ومنح إفريقيا مقعدًا دائمًا .
ردود الفعل الإقليمية والتحديات
يشير المقال إلى أن هذا التقارب قد يُنظر إليه بحذر من بعض الأطراف، مثل المغرب الذي تربطه علاقات تنافسية مع الجزائر، أو مصر التي قد تعتبر أن أي تقارب جزائري – إثيوبي قد يؤثر على مواقف الجزائر في ملف سد النهضة. ومع ذلك، فإن التحليل يرى أن الجزائر حريصة على عدم الدخول في تحالفات ضد أطراف عربية، وأن علاقاتها مع إثيوبيا تهدف بالأساس لتعزيز حضورها القاري .
لكن التحديات تبقى قائمة، خاصة في ظل التنافس الدولي على إفريقيا، حيث تتصارع قوى كبرى مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا على النفوذ الاقتصادي والسياسي. الجزائر وإثيوبيا، إذا لم تحافظا على استقلالية قراراتهما، قد تجد كل منهما نفسه مضطرًا لترجيح كفة طرف خارجي على حساب الآخر .
آفاق مستقبلية
في ختام مقاله، يرى الباحث أن مستقبل العلاقات الجزائرية – الإثيوبية يعتمد على ثلاثة عناصر أساسية :
ـ الإرادة السياسية للحفاظ على الشراكة بعيدًا عن الاستقطابات الإقليمية .
ـ تعميق التعاون الاقتصادي ليصبح ركيزة تحمي العلاقة من التقلبات السياسية .
ـ الاستفادة من الأطر الإفريقية، مثل الاتحاد الإفريقي ومبادرات التكامل الإقليمي، لضمان أن يكون هذا التحالف جزءًا من مشروع قاري شامل .
الجزائر وإثيوبيا… تحالف متجدد على أسس التاريخ والمصالح الاستراتيجية
المؤشرات الحالية، كما يراها الكاتب، تبعث على التفاؤل، إذ إن الطرفين يدركان أن الظروف الإقليمية المضطربة تمثل فرصة لتعزيز موقعهما كلاعبين رئيسيين في إفريقيا، إذا ما تمكنا من استثمارها بذكاء واستقلالية.