آخر الأخبار

(مساهمة) حتى لا ننسى.. جرائم الاستعمار ضد الانسانية بين الاعتراف والامتناع

شارك
مصدر الصورة
الكاتب: بقلم الاستاذ:بغيجة سعد

الجزائرالٱن _ الذاكرة ملك للشعوب والاجيال نحافظ عليها وندافع عنها ونورثها للاجيال، حفاظا على مقومات الامم ودفاعا عنها لبناء صرح حضاري يجمع كل عناصر توحيد الامة .وتزكى الذاكرة لدى الامة حتى لا تهين ولا تضعف امام الامم.

لقد تعرضت الجزائر الى حملات استعمارية متعددة منها ما دام قرون لكن الامة كالجسم السليم يرفض كل عنصر اجنبي يخترقه.ولهذاجميع هذه الحملات تمت مقاومتها وطردت من اراضينا واخرها الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة تم طرده شر طردة.

ولكن ما ميز هذا النوع من الاستعمار انه استيطاني يقضي على النظام الاجتماعي للمجتمع. وطمس هويته ومحاربة مقوماتها بالإضافة الى الابادة الجماعية للقبائل والعائلات وتهجير القرى وبناء المحتشدات. وتفكيك الروابط الاسرية عن طريق قانون الحالة المدنية وتغيير القاب الجزائريين والتمييز العنصري يجعل الجزائريين اهالي من الدرجة الثانية. وهذا عكس مبادئ الثورة الفرنسية المبنية على الاخوة والعدالة والمساواة (تناقض).

هذه الجرائم وغيرها مهدت لها بإصدار قانون الغاء النظام الوقفي في الجزائ روالاستيلاء على ثروات الامة .وقانون الحالة المدنية الذي جعل العائلة الواحدة بالقاب متعددة فضلا عن الالقاب الممنوحة تمس بالاخلاق، والاداب العامة الى يومنا هذا .فضلا عن اختلاف كتابة اللقب الواحد والنطق به. وهذا انعكس على الاسرة وعلى التركات التي اصبح الكثير محروم منها لاختلاف الالقاب رغم الاصل الواحد والدين الواحد.

ان ما قامت به فرنسا الاستعمارية من جرائم تصنف على اساس جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية تزعم محاكمها انها سقطت بالتقادم وهي غير قابلة للسقوط بالتقادم من منظار القانون الجنائي الانساني. فضلا عن كون هذه الجرائم مستمرة في الجزائر الى اليوم. وهذا من خلال نتائج انتشار الاشعاعات النووية الناتجة عن تفجيرات في الجنوب(60-66) الى يومنا هذا. وكذا زهق ارواح بريئة من جراء تفجير الالغام التي زرعتها على الحدود الشرقية والغربية .وترفض اليوم ازالتها وازالة الاشعاعات النووية وحتى تسليم خرائط تواجدها واماكن ردم النفايات المشعة .

نظرا لتشعب الموضوع وتعقيده فإنني اتناول ما تعلق بالهوية فقط املا التطرق لباقي الجوانب مستقبلا.

ان تاريخ الانسانية حافل بمثل هذه الاساليب التي يشترك فيها كل الدول الاستعمارية تقريبا وهي طمس هوية الشعوب المقهورة على سبيل المثال لا الحصر.

كـــــــــندا:

لما غزى الاوروبيون ارض كندا فقد قاموا بإبادة جماعية للسكان الاصليين جسديا وثقافيا والزج بالأبناء في مدارس داخلية معزولة قسرا من اجل القضاء على هويتهم بنزع الاطفال من عائلاتهم واخضاعهم لتجارب طبية .الاقصاء القسري.

حتى كلابهم المستعملة لجرعربات نقل امتعتهم عبر المحيط المتجمد الشمالي ثم قتلها (شعب لاتويت) مما احدث خللا في حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.

لكن سنة2008 اعترف رئيس الحكومة في البرلمان عن هذه الجرائم واعتذر عنها. وحتى بابا الكنيسة اعتذر لان ادارة هذه المدارس الطامسة لهوية الابناء كانت تحت ادارته وتسييرها .وهذا سنة 2022.

كندا تبنت مبدا الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها ومجمل التعويضات هي:

* منحتهم 1.9 ملياردولار كندي كتعويض مباشر،ومنحت لكل ناج من هذه الجرائم بين10.000د.كندي و30.000 د.كندي حسب سنوات الاقامة في هذه المدارس للقضاء على هويتهم.

* خصصت برامج دعم نفسي ،ثقافي، خدمات اجتماعية طويلة الامد.

* انشاء صندوق لحماية الكلاب واعادة تطويرها كرمز من رموز الثقافة الكندية. وبذلك تكون قد تصالحت مع نفسها وبين شعوبها المتعددة الاعراف.

هولــــــــــندا:

تورطت هولندا في جرائم استعمارية واسعة (في اندونيسيا اوسورنام و جزر الكرايبي) واعترفت في 2011-2013 وبذلك تكون قد اتبعت سياسة المانيا وكندا في الاعتراف والاعتذار والتعويض .

في اندونيسيا خلال حرب الاستقلال (1945-1949) وقعت جرائم ابادة جماعية في مختلف القرى لكن التعويضات محدودة مثل 10.000يورو لبعض الافراد والارامل عن اعدام ازواجهن، تمويل ابحاث توثيقية وتاريخية من اجل احياء الذاكرة لذى الامة.

كما اعترفت بالإتجار في الرقيق حوالي ½ مليون عبد افريقي .وقد اعترف رئيس حكومتها بجريمة العبودية واعتبرها جريمة ضد الانسانية.

كما اعتذر الملك باسم الاسرة المالكة سنة 2023 رسميا دون الاشارة الى اي تعويض لكن الحكومة خصصت 200 مليون يورو لمشاريع متاحف ومشاريع نوعية من اجل الذاكرة.

المانـــــــــــــيا:

عند الحديث عن المانيا مباشرة نذهب الى جرائم النازية وكذا جرائم الاستعمار في ناميبيا. ومن دون الخوض في التفاصيل فقد تبنت مبدا الاعتراف والاعتذار والتعويض. وهذا واضح من خلال اعترافها بجرائم النازية في اتفاقية لكسمبورغ 152 وبالتعويض لليهود والشعوب الاوروبية المتضررة من ذلك على سبيل المثال :

* منحت للكيان الصهيوني 3.5مليار مارك الماني كمساعدة عن المحرقة (الهوليكوست)

* تعويضات للدول الاوروبية التي احتلتها وتسببت في تدميرها مثل اليونان – بولندا-الاتحاد السوفياتي سابقا. سواء مبالغ مالية او مشاريع ثقافية او اعفاء من الديون الموجودة.

*رخصت برامج تعليم تتعلق بالذاكرة مثل مراكز توثيق ونصب تذكارية ومنح تعليمية عن جرائم النازية. والهدف من ذلك عدم نسيان الماضي وعدم تكراره مستقبلا.

* اما ناميبيا فقد تم الاعتراف بالجرائم في سنة 2021 ومنحت تعويضا 1.1مليار سنويا لمدة 30 سنة جبرا للأضرار التي احدثتها لها.

امريكـــــــــــا:

مارست امريكا جريمة الاعتقال القسري على الامريكيين من اصل ياباني خوفا من التجسس لصالح اليابان خلال الحرب العالمية الثانية وفي سنة 1988 اصدرت قانون الحريات وفيه اعتذرت لهم ومنحتهم مبلغ 20.000 دولار امريكي لكل ناج وقد استفاد 82219 شخص.

سنة 1920 دمرت قرية (روزود) بأمريكا من طرف البيض لأنها قرية للسود من اصل افريقي .وبعد الاعتراف بانها جريمة عنصرية عوض لكل ناج مبلغ 150.000 دولار مع منح دراسية لأحفادهم.

كما تم الاعتراف والتعويض لضحايا مجزرة تولسا ولاية اوكلاهوما الامريكية 1921 وقتل مئات من اصل افريقي وتم تعويضها واسترجاع اراضيهم المصادرة مع انشاء صندوق خاص لتعليم الضحايا وأحفادهم.

وبالنسبة للهنود الحمر السكان الاصليين لامريكا فقد تم تعويضهم (17قبيلة) بمبلغ 492 مليون دولار.

غير ان اساس التعويض ليس الاعتراف والاعتذار بجرائم الحرب ضد الانسانية وانما تبنت امريكا مبدا اخر وهو (سوء ادارة الحكومة لاراضيهم واموالهم غير ان جرائم العبودية لاتزال محل نقاش في المؤسسات والدوائر الحكومية.

فرنســـــــــا:

رغم جرائم الحرب والابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية ورغم التصريحات المتعاقبة لرؤساء فرنسا من جاك شيراك الى ماكرون فانها تمتنع عن الاعتراف والاعتذار والتعويض.

وبالعكس في 23/02/2000 اصدر المشرع الفرنسي قانونا يمجد الاستعمار وفي مادته الرابعة التي تنص(تعترف الامة بالعمل الايجابي الذي انجزه الوجود الفرنسي لاسيما في شمال افريقيا ويجب ان يدرس هذا العمل المناهج التربوية).

لقد اثار هذا القانون جدل واسعا داخل وخارج فرنسا فالجزائر اعتبرته اهانة للذاكرة الشعبية.ومؤرخون فرنسيون اعتبروه تسيبا للتاريخ.

وفي سنة2006 الغى جاك شيراك بمرسوم الفقرة الرابعة من هذه المادة استجابة للظغط الشعبي مؤكدا ان كتابة التاريخ يعود للمؤرخين وليس للمشرعين.

وتجدر الاشارة ان المادة جاءت بقانون والالغاء جاء بمرسوم .خرقا لقاعدة توازي الاشكال والامر متروك للفقهاء والقانونيين.

كما صدر سنة 2010 القانون (02-2010) فتح فيه المجال لضحايا التجارب النووية في الصحراء للمطالبة بالتعويضات لكن الشروط التي نص عليها حالت دون ذلك.على سبيل المثال امام المحكمة الادارية في ستراسبورغ حيث رفع 13 جزائري متضرر دعاوى التعويض لكن رفضت قضاياهم على اساس التقادم وعدم كفاية الادلة .رغم ان جرائم الحرب والابادة هي جرائم ضد الانسانية لا تتقادم مع العلم ان هذه الجرائم مستمرة الى يومنا هذا لعدم ازالة الاشعاعات النووية .تطهير الاماكن من النفايات المشعة وكذا سقوط ارواح الجزائريين من جراء الالغام المزروعة في الحدود الشرقية والغربية.

ان الحوار حول الذاكرة معقد لأنه مبني على اسس سياسية فرئيس فرنسا صرح اخيرا – ماكرون – (لا نريد التوبة والاعتذار ولكن نريد مصارحة التاريخ)

ان الهدف من الاعتراف والاعتذار والتعويض هو حجر الأساس في المصالحة بين الشعوب لبناء مستقبل مشرق ومشترك بعد تحقيق العدالة الانسانية والتاريخية والمحافظة على الذاكرة المشتركة للشعوب الانسانية ، وتدريسها للاجيال حتى لا تتكرر هذه الماساة مستقبلا.

وعليه فان نواب البرلمان شكلوا لجنة برلمانية لتحضير مشروع قانون يجرم الاستعمار الفرنسي وفتح المجالات لضحايا هذه الجرائم الغير قابلة للتقادم للمطالبة بالتعويضات المختلفة واساسها تطهير الاماكن الملوثة وتقديم خرائط دفن وردم النفايات المشعة واصلاح البيئة .والاهتمام بسكان المناطق بمؤسسات صحية علاجية.

تدريس هذه الجرائم لابنائنا حتى نحافظ على الذاكرة والوعي التاريخي مع استرجاع الارشيف بجميع مكوناته وكذا الاشياء القيمة والمادية الموجودة في متاحف فرنسا.

ان تجريم الاستعمار مسالة وواجب اخلاقي مرتقب مهما طال الزمن لان جرائم ضد الانسانية وحقوق الانسان لا تسقط بالتقادم ومن يبررها يعد خائنا للعدالة الانسانية ويعيق المصالحة بين الشعوب .

ان تحقيق العدالة الانسانية والتاريخية تبدا بالاعتراف الرسمي بهذه الجرائم والاعتذارعنها والتعويض عن الاضرار الناتجة عنها ماديا ومعنويا.

وبذلك نبني مستقبلا للشعوب مبني على الانصاف والاحترام لتبقى الفكرة في ضمير الانسانية حتى لا تتكرر هذه الماسي مرة اخرى رغم ما يحدث في فلسطين الجريحة حاليا.

الأستاذ :بغيجة سعد،قاض ومحامي سابق ونائب برلماني حاليا

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا