الجزائرالٱن _ كشفت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية عن تجميد باريس لمبادرة كانت قيد التحضير للاعتراف الرسمي بالمجازر الاستعمارية المرتكبة يوم 8 ماي 1945، في منطقة الشمال القسنطيني، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين العزّل.
وذكرت الصحيفة، في تقرير للصحفي فيكتور بواتو، أن خطوة تذكارية من قصر الإليزي كانت مرتقبة بالتزامن مع ذكرى انتصار الحلفاء على النازية، لكن التوترات المتجددة بين الجزائر وباريس أوقفت المبادرة في مهدها، في وقت تتواصل فيه حالة التردد داخل السلطة الفرنسية خوفًا من أن يُفهم أي اعتراف صريح كدليل ضعف أمام الجزائر.
ونقلت “ليبيراسيون” عن مصدر مطّلع على الملف قوله إن “كل شيء لا يزال ممكنًا” وإن الأمل لم يُفقد بالكامل، معتبرًا أن الذكرى الـ80 تمثل لحظة تاريخية مناسبة لمثل هذا الاعتراف، لكنه أقرّ بأن المناخ السياسي الراهن لا يخدم أي بادرة فرنسية بهذا الاتجاه.
يُذكر أن مجازر 8 ماي 1945 تمثل واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، حيث قوبلت المسيرات السلمية التي خرج فيها آلاف الجزائريين في سطيف، قالمة، وخراطة للمطالبة بالحرية والاستقلال، بحملة قمع وحشي من طرف الجيش الفرنسي وميليشيات المعمّرين. وقد أسفرت تلك الحملة عن استشهاد ما لا يقل عن 45 ألف جزائري، في مجازر ممنهجة استُخدمت فيها الطائرات والدبابات وحُرقت فيها القرى عن بكرة أبيها.
ورغم مرور ثمانية عقود على تلك الجريمة، ما تزال السلطات الفرنسية ترفض تقديم اعتراف رسمي صريح بها كجريمة ضد الإنسانية، مكتفية بخطابات ضبابية تفتقر إلى الجرأة الأخلاقية والوضوح السياسي، ما يعمّق الجرح الجزائري المفتوح منذ عقود.
وفي ظل استمرار التنكّر الفرنسي لتلك الحقبة السوداء، يتجدد النداء الشعبي والرسمي في الجزائر بضرورة إلزام فرنسا بالاعتراف الكامل وغير المشروط بجرائمها الاستعمارية، كخطوة أولى نحو مصالحة حقيقية قائمة على الحقيقة، لا على الحسابات الدبلوماسية الضيقة.
ولكن فرنسا تأخرت في وصف هذا الفصل من تاريخها الاستعماري، وإن كان السفير الفرنسي في الجزائر ألقى كلمة قوية عام 2005 في جامعة فرحات عباس بسطيف، واصفا ما حدث بأنه “مأساة لا تغتفر”، وأشار خليفته، برنار باجولي عام 2008، إلى “المسؤولية الجسيمة التي تتحملها السلطات الفرنسية آنذاك في إطلاق العنان لهذا الجنون القاتل”، وأضاف “لقد ولى زمن الإنكار”.
وبالفعل صرح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند أثناء زيارة للجزائر عام 2012 أن “الجزائر خضعت مدة 132 عاما، لنظام ظالم ووحشي للغاية. أدرك هنا المعاناة التي ألحقها الاستعمار بالشعب الجزائري”، ودعا إلى “كشف الحقيقة بشأن حرب الجزائر”، دون أن يقدم اعتذارا رسميا باسم الدولة.