الجزائرالٱن _ في مشهد غير مألوف في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يستعد وفد يضم منتخبين فرنسيين من مشارب سياسية مختلفة، لزيارة الجزائر والمشاركة في إحياء الذكرى الثمانين لمجازر 8 ماي 1945، تلك المجازر التي خُلّدت في ذاكرة الجزائريين كجريمة استعمارية دامية راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين المطالبين بالحرية.
الوفد يضم نحو ثلاثين شخصية برلمانية، من بينهم نواب في الجمعية الوطنية وأعضاء في مجلس الشيوخ، يمثلون تيارات يسارية، بيئية ووسطية، جاؤوا حاملين معهم مواقفهم المنتقدة لسجل فرنسا الاستعماري، في خطوة تتجاوز المجاملات البروتوكولية، وتحمل في طياتها رسائل سياسية وثقافية واضحة.
وتأتي هذه الزيارة بينما تعيش العلاقات بين باريس والجزائر واحدة من أكثر فتراتها توترًا، ما يمنح لتحرك الوفد الفرنسي بعدًا غير تقليدي. فالمشاركون لا يمثلون السلطة التنفيذية الفرنسية، بل يعبّرون عن اتجاه داخل الطبقة السياسية الفرنسية يسعى إلى كسر الصمت حول الجرائم الاستعمارية ومناهضة التعتيم الرسمي حول مآسي الماضي.
الصحافة الفرنسية، وعلى رأسها “لوفيغارو”، سلطت الضوء على هذه المبادرة، مشيرة إلى أسماء بارزة تشارك في الوفد، على غرار لوران لارديس، رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية-الجزائرية، وفتيحة حاشي، رئيسة لجنة الثقافة في البرلمان، بالإضافة إلى وجوه أخرى مثل دانييل سيموني، النائب التي لطالما دافعت عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وستيفان بو، أحد قادة التيار الشيوعي في فرنسا.
كما يضم الوفد وجوهًا جزائرية الأصل لها حضور في المشهد السياسي الفرنسي، كبلخير بلحداد، وأكلي ملوّلي، وأحمد لعوج، إلى جانب نشطاء منتخبين ضمن بلديات فرنسية معروفة بكثافتها المغاربية، مثل رواي وسان سان دوني.
الأهم في هذه المبادرة، أن العديد من المشاركين سبق لهم أن وقّعوا على عريضة برلمانية تطالب فرنسا بالاعتراف الرسمي بمسؤوليتها عن مجازر 8 ماي، وهي خطوة ما زالت تعتبرها السلطات الفرنسية خطًا أحمر في العلاقات الثنائية.
الوفد الفرنسي، وإن لم يكن يحمل صفة رسمية باسم الدولة، إلا أن زيارته المرتقبة تفتح الباب أمام قراءة جديدة لمواقف تتبلور داخل فرنسا نفسها، تعيد النظر في الموروث الاستعماري، وتدفع باتجاه مكاشفة تاريخية لا مفرّ منها. فزيارة الذكرى هذه، ليست مجرد حضور رمزي، بل هي فعل سياسي يُكمل معركة الذاكرة التي لم تُحسم بعد.