الجزائرالٱن _ في أوج الاضطراب الإقليمي، خرج النظام المغربي بمسرحية دبلوماسية لاستقبال وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في خطوة وُصفت إعلاميًا بالبارزة، لكنّها لا تعدو كونها محاولة دعائية متأخرة لتزييف الحقائق على الأرض. فالواقع الجيوسياسي في الساحل ليس صفحة بيضاء يمكن للمخزن أن يعيد رسمها عبر صور بروتوكولية، ولا منطقة رخوة يمكن اقتحامها بمنطق الهدايا المشروطة والمواقف المؤجرة.
المغرب، العاجز عن تثبيت قدم واحدة في عمق الساحل منذ عقود، يحاول اليوم عبر هذه الخرجة الترويج لنفسه كـ”فاعل مركزي” في الإقليم، في تجاهل متعمد لحقيقة أن تاريخه في المنطقة يكاد يكون غائبًا تمامًا، سواء من حيث النضال التحرري، أو من حيث شبكة المصالح الاقتصادية والإنسانية العميقة. فبمَ يمكن تفسير هذا الحضور المفاجئ، إن لم يكن محاولة بائسة لركوب موجة فراغ سياسي مؤقت سببه توتر العلاقات بين بعض العواصم الانتقالية والجزائر؟
هذه الخرجة التي أرادها المخزن استعراضية، تكشف في الواقع ارتباكًا دبلوماسيًا أكثر مما تعكس مبادرة حقيقية. فهي تندرج ضمن سياسة الهروب إلى الأمام، وتسويق الوهم الإقليمي، حيث يُستبدل العمل الفعلي بالصور، والمكانة الجيوسياسية بالدعاية الفجة. استقبالٌ إعلامي صاخب لا يغيّر شيئًا من معطيات تاريخية ثابتة: الجزائر هي من دعمت حركات التحرر في الساحل، وهي من وقّعت اتفاق السلام في مالي، وهي من تربطها طرق التجارة والمصالح الحيوية مع شعوب المنطقة، بينما المغرب ظل على هامش المعادلة، يحاول الآن القفز إلى المقدمة على أنقاض التحولات السياسية القائمة.
ما يُقلق في هذه الخرجة ليس فقط التناقض الأخلاقي في مقاربة النظام المغربي، بل أيضًا التوظيف الفج للمساعدات والمبادرات كأدوات ضغط للحصول على مواقف سياسية تتعلق بالصحراء الغربية. فالسعي إلى شراء الولاءات عبر الاستثمار في هشاشة دول أنهكتها الحروب والانقلابات، ليس إلا امتدادًا لسياسة المقايضة التي باتت سمة لصيقة بالدبلوماسية المغربية، حيث لا دعم دون مقابل، ولا مبادرة دون ثمن سياسي مدفوع سلفًا.
لكن الأكثر غرابة في هذا السلوك المغربي، هو محاولته تقديم نفسه كوسيط استقرار، بينما هو في الأصل جزء من الانقسام العربي والإفريقي. فالمغرب الذي طبّع مع الكيان الصهيوني، وخرّب التوافقات المغاربية، وأدار ظهره للاتحاد الإفريقي لسنوات، لا يملك لا الشرعية التاريخية ولا السياسية للعب دور “الجامع” أو “الداعم”، خصوصًا في منطقة عرفت جيدًا من كان معها حين احتاجت، ومن اختار طريق المساومة والتحالفات الملتبسة.
التحركات المغربية لا تُقرأ إلا كرد فعل متوتر على ثقل جزائري يرفض الزوال، ويزداد رسوخًا كلما حاول المخزن طمسه بالضجيج. فمتى كانت البروتوكولات الاستعراضية تُغني عن الامتداد الجغرافي، وعن شبكة المصالح الحقيقية، وعن الشرعية التاريخية التي لا تُشترى؟
الخرجة المغربية في الساحل ليست إلا مناورة ظرفية، وطلاءً إعلاميًا يخفي هشاشة استراتيجية، يفتقر إلى العمق، ويُعاني من انعدام الجذور. إنّها محاولة أخرى لصناعة صورة مُزيّفة في مرآة إقليمية لا تنعكس فيها سوى حقائق التاريخ والجغرافيا. وحين تكون الجزائر هي الأصل، يصبح كل تقليد باهتًا مهما بلغت بهرجة الكاميرات.