الجزائرالٱن _ في خطوة قد تؤدي إلى تأزيم إضافي في العلاقات الجزائرية الفرنسية، أصدرت محكمة الاستئناف في باريس في 28 أفريل 2025 قرارًا يقضي برفض الإفراج المؤقت عن الموظف القنصلي الجزائري المعتقل منذ 11 أفريل، وأبقت عليه رهن الحبس المؤقت رغم الحصانة التي يتمتع بها بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.
وتستند السلطات القضائية الفرنسية إلى شبهة تورّطه المزعوم في “محاولة اختطاف” تعود إلى عام 2024 تخص العميل الفار “أمير بوخرص”، المعروف باسم “أمير ديزاد”، الذي تتهمه الجزائر بتنفيذ أجندات معادية للدولة، بدعم من قوى خارجية.
من المهم التأكيد أن أمير ديزاد ليس مجرد ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، بل هو عميل فار من العدالة الجزائرية صدرت بحقه عدة مذكرات توقيف دولية بتهم تشمل الانخراط في شبكات تمس بالأمن القومي، والتحريض على العنف، والتشهير، والارتباط بجهات أجنبية معادية. ورغم ذلك، وفّرت له باريس الحماية، متجاهلة طلبات الجزائر المتكررة لتسليمه، مما يكشف عن ازدواجية واضحة في تعامل فرنسا مع مبدأ سيادة القانون.
قرار القضاء الفرنسي ليس مجرد قضية قضائية عادية، بل هو جزء من سياق سياسي أوسع. يُنظر إليه في الجزائر على أنه خرق فاضح للاتفاقيات الدولية، وخصوصًا المادة 40 من اتفاقية فيينا التي تحظر المساس بالموظفين القنصليين أثناء أداء مهامهم. فرنسا، التي امتنعت عن التعاون القضائي عندما كان المعني بالأمر هو العميل الفار، تعود الآن لتوظف القضاء ضد موظف رسمي يتمتع بالحصانة، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا كاستهداف سياسي مباشر.
الرد الجزائري كان واضحًا منذ البداية، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية أن الترويج لاتهامات تتعلق بالإرهاب دون أدلة دامغة يعد انحرافًا عن قواعد العدالة، وتهديدًا مباشرًا للعلاقات الثنائية. واليوم، مع قرار المحكمة بالإبقاء على الموظف القنصلي رهن الحبس، تطرح الجزائر تساؤلات مشروعة حول احترام فرنسا لالتزاماتها القانونية ونيتها الحقيقية في التعامل بشكل ندي ومتوازن.
ما يجري اليوم ليس مجرد خطأ قضائي، بل اختبار سياسي مكشوف، تحاول من خلاله بعض الأطراف الفرنسية استغلال ملف هش لضرب مصداقية المؤسسات الجزائرية. ولكن الرد الجزائري سيكون بحجم هذا الخرق، وسيأخذ أشكالًا متعددة، بما في ذلك اللجوء إلى الهيئات الدولية، وتجميد بعض أوجه التعاون الثنائي، خاصة في المجالات الحساسة كالتعاون الأمني والقضائي، والتي كانت فرنسا قد استفادت منها أكثر مما قدمت.
إن الإصرار الفرنسي على تحويل موظف قنصلي إلى “رهينة سياسية”، في ملف يفتقر لأدلة دامغة، يعكس سلوكًا سلطويًا مقنّعًا، يعيد إلى الأذهان أسوأ فترات الهيمنة القضائية باسم القانون. لكن الجزائر، التي تخوض معركة سيادة كاملة، أوضحت أنها لن تسمح بتحويل دبلوماسييها إلى أهداف مفتوحة، وأنها لن تتردد في الدفاع عن كرامة مؤسساتها وممثليها مهما كانت الكلفة.
في النهاية، القضية تتجاوز شخصًا أو ملفًا محددًا. إنها تتعلق بـ حق الدولة الجزائرية في أن تُحترم سيادتها، ويُحترم صوتها، وتُحترم كرامتها.