في خطوة جديدة تعكس التشوه والانحراف الإعلامي الصارخ وقمة التغول على كل ما هو جزائري، نشرت صحيفة لوفيغارو، تقريرا مغرضا يروج لرواية عدائية كاذبة ضد الجزائريين في فرنسا، تدعي فيه أن الجزائريين هم الأكثر عددا في السجون الفرنسية.
هذا الادعاء البغيض والتصعيد الإعلامي، على غرار صحيفة لوفيغارو، الذي يستند إلى أرقام انتقائية مزيفة، يهدف بوضوح إلى تشويه صورة الجالية الجزائرية في فرنسا وتحميلها وزر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وهو في واقع الأمر ليس سوى محاولة أخرى من فرنسا لتغطية فشل سياساتها الداخلية، وتوجيه الأنظار بعيدا عن الأزمات الحقيقية التي تعصف بها. وقد وجدت في شماعة الخلافات مع الجزائر سبيلا حقيرا لشيطنة الجالية الجزائرية وتصويرها على أنها عبء أمني وقانوني.
ان هذه الحملة ليست سوى امتداد لسياسة فرنسية لعينة ممنهجة، هدفها التغطية على فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة أزماتها الداخلية، من انهيار النظام القضائي إلى تفاقم البطالة والفقر.
عندما تعجز فرنسا عن مواجهة مشاكلها!
بدلا من الاعتراف بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية داخلها، تلجأ فرنسا إلى تكتيك استعماري قديم ومتجدد، يتمثل في البحث عن “كبش فداء” تعلق عليه مشاكلها. واليوم كما في الماضي، تستهدف الجزائر وأبنائها، في محاولة يائسة لصرف الأنظار عن الأزمات الحقيقية التي تضرب العمق الفرنسي، من احتجاجات السترات الصفراء إلى العنف المتزايد داخل المجتمع الفرنسي نفسه.
إن الأكيد أن سجون العالم مليئة بمختلف الجنسيات فالسجن ليس حكرا على مواطني الدولة بحسب كل القوانين الدولية، ومن المنطقي أن يكون في فرنسا مساجين جزائريون، حيث تتراوح قضاياهم بين الهجرة غير الشرعية أو عدم حيازة وثائق ثبوتية تسمح لهم بالإقامة في الأراضي الفرنسية وأغلبها تهم تدور في فلك الهجرة غير الشرعية، تقودهم إلى السجون.
إن فرنسا العنصرية، التي تحاول اليوم بائسة ويائسة تشويه وشيطنة الجالية الجزائرية العريضة في البلد، نسيت أن تذكر عبر إعلامها الجبان، أنها بلد العنصرية المؤسسية بامتياز والتي تعيق اندماج المغتربين، عبر التمييز في التوظيف والسكن والتعليم. وعبر القوانين التعسفية التي تدفع الشباب إلى التهميش والضياع، بل أكثر من ذلك، لماذا لا يتم التطرق إلى الجرائم المرتكبة من قبل المواطنين الفرنسيين أنفسهم، وبارونات المخدرات الخطيرة التي تفضح تقدم نسبة الجريمة في هذا البلد ضمن القارة الأوروبية.
ازدواجية المعايير والانتقائية الإعلامية!
من المثير للسخرية والضحك، أن الصحافة الفرنسية تهاجم الجزائريين دون التطرق إلى الدور الذي لعبته فرنسا تاريخيا في إفقار الجزائر وتهجير أبنائها قسرا. وهي نفسها فرنسا اللعينة التي نهبت الثروات الجزائرية لأكثر من 130 عاما، والتي ما زالت حتى اليوم ترفض الاعتراف بجرائمها الاستعمارية، لتتحدث اليوم عن “المهاجرين غير المرغوب فيهم”، وكأنها لم تكن السبب الرئيسي في هجرتهم من الأساس!.
بل أكثر من ذلك، كيف لفرنسا التي تستفيد اقتصاديا من اليد العاملة الجزائرية في مختلف القطاعات، من الصحة إلى البناء والخدمات وسواها، أن تتنكر فجأة لهذه الفئة حين يصبح وجودها غير ملائم لروايتها السياسية؟ ولماذا لا تتحدث الصحافة الفرنسية اليوم عن آلاف الجزائريين المتميزين في الجامعات والمختبرات والشركات الفرنسية؟ أم أن الصورة النمطية السلبية هي الوحيدة التي تهم في ظل هذه الظروف المشحونة؟.
فرنسا في مأزق تاريخي.. فهل تجرؤ على الاعتراف بالحقيقة؟
الحقيقة التي تحاول فرنسا إخفاءها هي أن سياستها تجاه الجزائر، سواء داخل أراضيها أو على المستوى الدبلوماسي، أثبتت فشلها الذريع. واليوم لم تعد الجزائر رهينة الابتزاز السياسي الفرنسي، ولم يعد الجزائريون يقبلون بهذه الحملات الإعلامية المسمومة التي تسعى إلى تشويههم.
وفرنسا التي تتبجح بمبادئ “الحرية والمساواة والأخوة”، تكشف اليوم عن وجهها الحقيقي البشع للعالم والذي يعرفه الجزائريون ويحفضون خطوطه وتفاصيله عن ظهر قلب، بانها في الواقع دولة تعيش على الأطلال الاستعمارية، عاجزة عن التكيف مع واقع جديد لم تعد فيه الجزائر تحت وصايتها. فهل تجرؤ باريس على مواجهة مشاكلها الداخلية بدلا من البحث عن شماعة تعلق عليها فشلها؟ وهل يجرؤ قصر الاليزيه على الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر ، حتى يصدق عاقل ان مثل هذه التقارير هي فعلا حرص على حقوق الإنسان والعدالة؟.
@ آلاء عمري