الجزائرالٱن _ في مقابلة اجرتها صحيفة نيويورك تايمز قبل يومين مع القيادي في المقاومة الفلسطينية موسى ابو مرزوق ، نقلت عنه تصريحين اثارا جدلا داخل المقاومة وجمهورها بشكل عام وداخل حركته ذاتها، ويمكن ايجاز ما قاله في النقطتين التاليتين:
أولا: انه لم يكن على اطلاع بتفاصيل هجوم 7 اكتوبر ، ولو كان يعلم أنه سيقود الى النتائج الكارثية لما ايده .
ثانيا: هناك رغبة ما داخل حركته لمناقشة مستقبل سلاحها في قطاع غزة.
وهنا لا بد من التساؤلات التالية:
أ- هل هذه التصريحات تكشف عن تباين داخل قيادة المقاومة ، فهي تتناقض تماما مع ما اعلنه اكثر من مسئول فلسطيني من قيادات المقاومة؟
ب- هل الأمر يؤشر على ذكاء دبلوماسي يقوم على “توزيع الادوار” بين رئيس مكتب العلاقات الخارجية (ابو مرزوق) وبين بقية اعضاء القيادة ، بهدف توسيع نطاق التفاوض مع كل الاطراف .؟
ت- هل تصريحات ابو مرزوق تستبق القمة العربية في القاهرة لضمان ” غواية” العرب باستعجال قرارات الاعمار لغزة وتشجيعهم على الدفع بخاصة ان تصريحاته ترضي الانظمة العربية وتخفف الضغط الامريكي على هذه الانظمة مما يمهد الى تعطيل خطة ترامب وتسهيل تدفق اموال الإعمار؟
ث- هل تصريحاته هي تقييم فردي وشخصي لكل ما جرى من تداعيات بعد 7 اكتوبر، وهو يكرر بذلك ما سبق ان اعلنه الشهيد حسن نصرالله بعد اسر المقاومة اللبنانية جنودا اسرائيليين عام 2006 واشتعال مواجهة كبيرة بين الطرفين، فقد قال لو كنت اعلم ان الامور ستسير بهذا الاتجاه لاتخذنا مسارا مختلفا؟
من الطبيعي ان تتباين وجهات النظر بخاصة في الموضوعات السياسية الملتبسة والمعقدة، ولا اعتقد ان هناك حزب سياسي او حركة مقاومة في اية دولة من دول العالم تتطابق افكار عناصرها القيادية المركزية في كل التفاصيل ، فالتوافق على الاستراتيجية الكبرى هو الاساس ،لكن ادارة وتكتيكات الوصول لتحقيق هذه الاستراتيجية قد تتباين ، واعتقد ان المقاومة الفلسطينية لا تشذ عن هذه القاعدة، لكن ذلك لا ينفي اهمية وضرورة التنسيق لإدارة التباين في المواقف.
لكن التفكير الهادئ يستدعي طرح بعض الهواجس :
1- ان التصريحات “المنفلتة ” ضارة الى ابعد الحدود، واعتقد ان تصريحات ابو مرزوق تقع في هذه الخانة، وكان يمكن ان يطرحها داخل القيادة بل ومن حقه ان يطرحها ،لكن ان يرتجل المواقف فهذا سوء قيادة ، ويبدو ان الكثير من القادة العرب يفقدون توازنهم بخاصة في “حضرة” اعلام غربي مشهور على غرار نيويورك تايمز.
2- يشكل ابو مرزوق ومعه خالد مشعل تيارا “براغماتيا ” من ناحية ،وتيارا موهوما “بالعقلانية” والتوازن من ناحية اخرى، وكلاهما أكثر التصاقا واستجابة ل” دبلوماسية الإنابة” التي تقودها قطر في المنطقة العربية، لذا فهما يسعيان عبر تصريحاتهما الى تمهيد الطريق لعربة “الانابة”، وهو امر يصطدم بمدرسة القيادة الميدانية في ارض المعركة . وارى ان هذا التباين ليس عيبا بل ظاهرة طبيعية، لكن العيب يكمن في ” وقت ومكان ومضمون التصريح وناقله ” ، وهو امر يستوجب على القيادة وضع حد له، فإذا كان ابو مرزوق معارضا لهجوم 7 اكتوبر لو عرف ان نتائجه كما يراها، فهل سال نفسه عن “اضرار وتداعيات” تصريحه عن نقد الهجوم وعن الاستعداد لمناقشة مستقبل سلاح المقاومة؟ له الحق في ابداء الرأي ، ولكن ثمة ضوابط وشروط لاعلان الراي ، وأولها التشاور مع القيادة، فهو لم يستشر حركته ،والدليل على ذلك بيان حركته التي تنصلت من التصريحات ” بزعم انها محرفة وأخرجت من سياقها”، وانا اعتقد وبقوة انها لم تحرف ولم تخرج عن سياقها ، ولكن ليس امام الحركة الا هذا المخرج.
3- لماذا جاء تصريح ابو مرزوق بعد فترة جد قصيرة من تصريحات اسامة حمدان عن ان الحركة ستتعامل مع اي جهة تريد السيطرة على القطاع او نزع سلاحه كما تعاملت مع جيش الاحتلال؟ هل الامر مصادفة؟ ام سوء تنسيق؟ ام شقاق داخلي؟ أم هو فعلا توزيع أدوار..أعتقد انه سوء تنسيق لكيفية ضبط التباين في الآراء.
الخلاصة:
أدعو قيادة المقاومة للمرة الالف الى وضع اسس وضوابط لاصدار التصريحات من مسؤوليها حول اية قضية مهما كانت، وان تصب كل التصريحات في اتجاه واحد لا ان يُغني كلٌ على ليلاه ، بخاصة إذا كانت التصريحات ذات مضامين استراتيجية ، وبدون ربما.