الجزائرالٱن _ العودة الجماعية الرائعة لأبناء غزة نحو الشمال هي العنصر الوحيد على الساحة العربية القادر على التخفيف من مثيرات القرف ومسببات الاشمئزاز التي يعيشها كل مواطن عربي شريف، من المحيط إلى المحيط، وأصبحت تتجاوز كل مقدرة على التحمل.
ولقد تابعت الحجم الكبير من الهجومات الإشمئزازية التي وجهت للملك الأردني على ضوء لقائه مع الرئيس الأمريكي، ولست هنا لأدافع عن الملك عبد الله، الذي لم أفهم سرّ اصطحابه لولي عهده عند “استدعائه” للقاء الرئيس الأمريكي، ولمجرد أن عنصر الأمن الأساسي، خصوصا في الظروف الاستثنائية، تفرض على ألا يسافر الحاكم وولي عهده أو خليفته الدستوري في طائرة واحدة، أو يكونا معا في مكان واحد، اللهم إلا إذا كانت هناك ضمانات ممن يملك توفير الحماية الضرورية.
أنا أريد، من منطلق الأمانة الفكرية، أن أقول بأن القيادات العربية في مجموعها مسؤولة عن اللقاء الهزيل الذي احتضنه البيت الأبيض يوم 11 فبراير، والذي استعمل فيه الرئيس الأمريكي أسلوبا منحطا في إحراج العاهل الأردني، بفرض لقاء صحفي لم يكن مبرمجا على الإطلاق، كما ردد أولو العلم..
وفي تصوري فإن القيادات العربية كان عليها أن تعقد قمتها قبل سفر الملك إلى واشنطن، لا أن تؤجلها إلى يوم 27 فبراير، وكأن المطلوب هو أن تكون القمة مباركة لأمرٍ واقعٍ يتم فرضه على الوطن العربي، وهنا تبدو رائحة توجّه لا يُشرف القيادات العربية في مجموعها.
ولو تم عقد القمة قبل يوم اللقاء لكان الملك قادرا على أن يواجه ترامب مستندا إلى دعم عربي كانت القمة قد وفرته له، وهو دعم من أبسط ملامحه التلويح تجميد كل عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتكون قمته التهديد بإلغاء اتفاقيات كامب دافيد ووادي عربة وأوسلو، وإلقاء حكاية الديانة الإبراهيمة، وهي الورقة التي يتفاخر بها تاجر الجملة الأمريكي، في سلة مهملات التاريخ.
ولم يكن سرّا أن الرئيس الأمريكي يتصرف على قاعدة “يخاف ما يختشيش”، بالتعبير المشرقي المعروف، وللتذكير، فإن لقاءه، مكانا وزمانا وأسلوبا، مع قائد كوريا الشمالية، بل وما ردده عن إعجابه به، كان يجب أن يكون في أذهان القيادات العربية.
وهكذا كان المنطق يفرض على قيادات أمة، كانت أمة “محمد” لا أمة “مُهنّد”، أن تضمن لمن يلتقيهم الرئيس الأمريكي من رجالاتها حجما كبيرا من حرية الحركة، بل والمقدرة على مواجهة البلطجي ببلطجة لا تقل شراسة عن بلطجته.
هنا يبدو أن تأخير القمة العربية هو خطوة نحو تنفيذ إرادة الرئيس الأمريكي، وهو ما تؤكده التصريحات الرسمية لقيادة “الجائحة” العربية، التي تدعو المقاومة الفلسطينية، وحماس على وجه التحديد، إلى التنحي عن دورها القيادي في غزة، وهو ما يعني من الناحية العملية أن تسلم الأسرى بدون مقابل، وأن تلقي أسلحتها وتكشف أنفاقها وتترك المجال لمن تأكد تواطؤهم مع الكيان الصهيوني، ممن لم يترددوا في اتهام حماس بكل نقيصة.
وهنا تبدو ملامح تآمر خبيث لتنفيذ المخطط الصهيو أمريكي، الذي يتجاهل أن المقاومة الفلسطينية وَعَتْ دروس الصراع مع العدو الإسرائيلي منذ الثلاثينيات، وأصبحت تلتزم بكلمات نزار قباني .. “بارودتي هي القضية”، وأن رجال “السنوار” أدركوا النتائج الكارثية لعمليات الهجرة التي فُرِضتْ على الشعب الفلسطينية منذ نكبة 1948 ، وكان الاستنتاج المنطقي أن من يغادر أرضه لن يعود لها أبدا.
وبالتالي فإن حماس لن ترفع الراية البيضاء، مهما كانت الضغوط.
وهنا تتضح المؤامرة “الصهيو أمريكو عربية” (هكذا)، لأن تقاعس القيادات العربية، ودول الطوق في المقدمة، عن دعم الصمود الفلسطيني بل ودعم البعض للكيان الصهيوني، والاستجابة الذليلة المتوقعة للصفقة الأمريكية سوف يُقدم للجماهير العربية والإسلامية ولكل الأحرار في العالم على أنه نتيجة لتصلب المقاومة ولعناد حماس، وهو ما تؤكده هجمة إعلاميين معروفين تنسجم مع ما قاله الأمين العام لتكية ميدان التحرير، الذي كان عليه أن يستقيل من منصبه قبل عام ونصف على الأقل متجاهلا إغراء المرتب والامتيازات، ومتذكرا كلمات سيد المرسلين ” تَعِسَ عَبْدُ الدينار، تَعِسَ عَبْدُ الدرهم (..) طُوبَى لعبدٍ آخذ بعِنَانِ فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مُغْبَرَّةً قدماه”، صدق رسول الله.
ولقد كان على القيادات العربية أن تُعدّ لقمة عربية فورية تدعم قدرة كل من مصر والأردن على الصمود، بتعويض الدعم المالي الذي تقدمه واشنطن، وهو دعم هزيل مقارنة بالرصيد الربويّ الهائل الذي تمتصه الولايات المتحدة الأمريكية من الوطن العربي، الذي تهربت قياداته من عقد القمة الاستثنائية العاجلة منذ أكثر من عام تاركة أبناء غزة ضحايا لعملية إبادة جماعية تذكر بمأساة البوسنة والهرسك، بل وتتجاوزها وحشية وإجراما.
وأنا أقول اليوم إن قمة عربية جادة سوف تُمكن القيادات العربية الواعية من خلق الجو السياسي الذي يستفيد من دعم قوى عالمية يهمها تحجيم الهيمنة الأمريكية، لكنها أصبحت تنظر للوطن العربي، قيادات وشعوبا، بالكثير من اللامبالاة، لكي لا أقول بالاستهزاء والسخرية، لأن قيادات الوطن العربي وأحزابها وشعوبها أدارت ظهرها لتجارب الفيتنام وأفغانستان في تقزيم الغرور الأمريكي، ولم تفهم سر قوة بلد مثل جنوب إفريقيا، بل وسرّ شجاعة بلدان صغيرة مثل الدانمرك ولا أقول دولا كبيرة مثل كندا والمكسيك أو متوسطة مثل كولومبيا.
وما زال الوقت في صالح فورة وعي عربي يضع كل بلطجي حيث يجب أن يوضع، ويسترجع للوطن العربي بعضا من أيام العزة التي عاشها في انتصار السويس، بدون الدخول في التفاصيل، ويذكر ببطولات أبناء الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وسوريا، ومعهم رجال الثورة الفلسطينية التي كان القسام واحدا من رموزها والسنوار تجسيدا لصمودها.
آخر الكلام: من الحديث النبوي: “إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها”، ويفهم من هذا أن” الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها”.
هل هناك من القيادات العربية من تهمه الجنة؟.