الجزائر الآن ـ بينما كنت أجري اتصالا هاتفيا مع أحد الأصدقاء الاعلاميين من مصر الشقيقة كي أضبط الروتوشات الأخيرة لترتيب حوارا صحفيا لصحيفة” الجزائر الآن” مع السيد وزير الخارجية السوداني الدكتور علي يوسف
بادرني الصديق بسؤالا مباشرا مفاده : ماذا يجري بين الجزائر و مالي؟
وفهمت مقصود الصديق المحترم الذي يشغل منصب رئيس تحرير بصحيفة تصدر بالقاهرة ومتابع لكل ما يخص الشأن العربي و الأفريقي.
فهمت بأنه يقصد” البيان” الذي صدر الأربعاء الفارط عن وزارة الخارجية ” المالية” أو بتعبير أدق ” نادي باماكو” الجديد .
وكانت إجابة في “ثلاث” جمل وبالترتيب :
1 ـ ما جرى أن خارجية مالي ” ناشر ” للبيان” و ليست “الكاتب “له .
2 ـ حكومة مالي عموما هي “المنفذ” لكنها ليست “المخطط”
3 ـ حكومة مالي هي “الخاسر” و بالتالي لن تكون “الرابح”.
و وعدت الصديق المحترم بأني سأعود للموضوع في مقال مفصل سينشر بصحيفة “الجزائر الآن” و بصحف عربية محترمة، وهو ماكان .
وجب وضع النقاط على الحروف في عدد من النقاط التي تخص العلاقات الجزائرـ المالية منذ حصول” باماكو ” على استقلالها سنة 1960 ، و الجزائر سنة 1962 .
وهي علاقات تاريخيا تميزت :
1ـ بالأخوة الكبيرة و الاحترام المتبادل
2 ـ بالدعم منقطع النظير من “الجزائر” لنظيرتها “مالي” ، بإعتبارها الدولة الأكبر إقتصاديا و سياسيا وعسكريا .
وترجم هذا” الدعم” في قرار الجزائر سنة 2013 بمسح ديون دولة “مالي” كاملة رفقة 13 دولة افريقية أمام الكاميرات، سمع بها العالم ، أما الدعم الأكبر لمالي فلم يسمع به و لم يراه إلا الشعب المالي نفسه و حكوماته المتعاقبة .
أما بخصوص تهجم الخارجية المالية الأربعاء الفارط على الجزائر ( بعدما وجهت لها اتهامات باطلة) ، فلا بد لي أن أعيد و أكرر ما قلته للصديق الاعلامي المصري المحترم و أن “مالي” ما هي إلا “الناشر ” و ليست “الكاتب” و أنها “المنفذ” وليست “المخطط” و أنها “الخاسر” ولن تكون “الرباح”، وذلك للأسباب التالية :
1 ـ ملف الحركات الأزوادية المالية لم ولن يكون ملف” إرهاب” بل هو ملف “سياسي” منذ إستقلالها إلى غاية اليوم
2 ـ الملف كان وسيبقى يعني” الجزائر” لأن الأمر يتعلق بأمنها القومي كون الجزائر تمتلك شريط حدودي شاسع مع مالي يقدر ب 1359 كلم زائد معطيات أخرى يعلمها الماليون قبل غيرهم .
3ـ الجزائر لن تسمح لأي كان ومهما كان أن يتلاعب بأمنها القومي على طول حدودها وهذا حقها الشرعي و الطبيعي.
4 ـ الجزائر كانت وراء إمضاء “اتفاقية تمنراست” بين حكومة مالي و حركات الأزواد سنة 1991.
ـ وكانت وراء إمضاء “اتفاقية الجزائر” سنة 1994
ـ وكانت وراء امضاء “اتفاقية الجزائر بين ” و التي كانت تحت مظلة الأمم المتحدة بين حكومة مالي و الأزواديين سنة 2015 .
و للأمانة ، فقد أعجبني كثيرا تصريح وزير الخارجية” أحمد عطاف” في ندوته الصحفية الأخيرة بخصوص ” مالي “.
وقال عطاف في خمس ( 5 ) نقاط مايلي :
1 ـ “قلنا للأصدقاء الروس بأننا لن نقبل ولن نسمح بأن تحول حركات سياسية كانت طرفا موقعا على اتفاقيات بالجزائر ان تحول بين عشية وضحاها إلى جماعات ارهابية وهذي الجماعات هي التي سيتم التفوض معها مستقبلا “.
2 ـ الجزائر تتمسك بمشاركة حركة الازواد باي مسار سياسي و مسعى لسلام في مالي”
3 ـ معاودة التفاوض بين هذه الحركات و باماكو اتية لا محالة”
4 ـ “التفاوض و الوساطة الجزائرية اتية و الحل السياسي ايضا و الجزائر ستكون موجودة
5 ـ الجزائر ارادت اقناع الصديق الروسي بالبديهيات التي عالجت بها الجزائر من خلال تجربتها الطويلة الملفات في منطقة الساحل على مدى عقود وأن الحل العسكري في شمال مالي غير ممكن و جرب ثلاث مرات وفشل .
أعجبتني تصريحات عطاف التي تمثل الدولة الجزائرية لأن فيها رسائل واضحة تتناغم فيها البرغماتية مع المحافظة على مباديء الديبلوماسية الجزائرية .
رسائل الدولة الجزائرية للاعب القديم( فرنسا ) الراغب في العودة لرئاسة نادي “باماكو ” السياسي الحالي واضحة.
أما الرسالة للأعضاء “الجدد” في مجلس الإدراة المسير لنادي باماكو الحالي ( المغرب و الكيان و الامارات وحتى ربما تركيا وطبعا روسيا ) فهي أوضح و أوضح .
أجريت إتصالا هاتفيا مع صديق كان يشتغل في السلك الديبلوماسي ، عمل سفيرا للجزائر في عدد من الدول بالعالم ، أثق كثيرا في خبرته و كفائته وحنكته في المواضيع الديبلوماسية وحتى السياسية التي لها صلة بالجزائر و المنطقة ، و سألته عن رأيه في عدم رد الخارجية الجزائرية الجزائرية عن البيان المالي ، وهل هو شخصيا مع هذا الموقف ؟.. أو ممن يفضلون عدم إعطاء الموضوع أكثر من حجمه بإعتبار أننا في الجزائر نعرف من “يكتب” ومن “ينشر” ولماذا ؟
و كان إجابة الصديق بأن رأيه الشخصي مع عدم الرد .
و للأمانة قلت لذات الصديق بأن هذا رأيي أيضا من الموضوع لكنني فضلت الإتصال به كي أسمع و أستفيد أكثر .
أعتقد بأن اعادة حكومة مالي الحالية الى رشدها ووعيها ضرورة ملحة يفرضها الأمن القومي الجزائري لكن لا يجب أن يكون ذلك أمام الجميع بل يجب أن يكون بالطريقة التي تليق بمقام ورزانة دولة بحجم الجزائر .
ما قاله عطاف للأصدقاء الروس بخصوص ملف مالي ما هو إلا طريقة من الطرق العديدة و الذكية المتاحة التي يمكننا أن نعالج بها عقوق حكومة باماكو
ما أثار إنتباهي أيضا هو رد ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة “ عمار بن جامع” الخميس بنيويورك في رده على سؤال لوكالة الأنباء الجزائرية عندما قال بأن الجزائر تجعل من مكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية ” أولوية قصوى ” وترغب في مشاركة خبرتها في هذا المجال .
وقال “عمار بن جامع” خلال ندوة صحفية حول برنامج عمل مجلس الأمن ، الذي ترأسه خلال شهر يناير الجاري ، ان الجزائر بصفتها بلدا إفريقيا تتضامن مع الدول الشقيقة في افريقيا و ترغب في مشاركتهم خبرتها في مجال مكافحة الإرهاب “
بن جامع أضاف ” لقد نجحت الجزائر في القضاء على الإرهاب ، لكنه لايزال موجودا في أماكن أخرى .
وعبر عن استعداد الجزائر لنقل تجربتها في مكافحة الإرهاب إلى دول القارة ، مع احترام خصوصيات كل دولة .
ممثل الجزائر بالدائم للأمم المتحدة ذكر بأن الرئيس تبون هو منسق الاتحاد الافريقي في مجال مكافحة الارهاب و التطرف العنيف .و أردف بأن الجزائر ستضع بكل تواضع وبحزم خبرتها تحت تصرف الدول الصديقة ، لا سيما في افريقيا .
أنا متأكد بأن” نادي باماكو” السياسي الجديد قد استمعوا و بتمعن لما قاله مندوب الجزائر الدائم بمجلس الأمن .
وبالتالي قراءة رسائلها الواضحة وضوح الشمس لمن يتقن القراءة و التحليل .
بمعنى ، وجب طرح السؤال البسيط التالي :
هل الجزائر التي لم ولن تبخل كل دول قارة إفريقيا في دعمها لمكافحة الإرهاب ، هل ستبخل على مالي الجارة و الشقيقة ؟
الجواب : طبعا لا ،و التاريخ شاهد على ذلك .
أما “نادي باماكو” السياسي الذي يريد إقصاء أطراف سياسية كاملة متمركزة بشمال البلاد ( وعلى بعد أمتار من التراب الجزائري ) و أمضت ثلاث 3 اتفاقيات مع الحكومات المالية المتعاقبة و بوساطات جزائرية فهذا هو الإرهاب الحقيقي، وهو ما رفضته وترفضه الجزائر ولن يكون .
و بالتالي سيتم القضاء على هذا “الإرهاب لترويع و ابادة تنظيمات سياسية تعتبر من مكونات الشعب المالي ، و الذي تم الإعداد له في “مخابر الشر”.
لأن الجزائر لديها الخبرة الكافية للقضاء على مختلف أنواع الإرهاب وبطرق مختلفة، و المسألة، مسألة وقت وفقط .
ولذلك قالت الجزائر بلسان وزير خارجيتها بأن معاودة التفاوض بين هذه الحركات و باماكو اتية لا محالة و التفاوض و الوساطة الجزائرية اتية و الحل السياسي ايضا و الجزائر ستكون موجودة .
الكاتب : رفيق شلغوم ،مؤسس ومدير نشر صحيفة الجزائر الآن الالكترونية وكاتب مقال رأي بعدد من الصحف العربية