في ظل التحديات المستمرة التي يواجهها النظام التربوي في الجزائر، تبرز واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل: “التهويل الممنهج” في الامتحانات والاختبارات المدرسية، فقد أصبح التقييم المدرسي، في السنوات الأخيرة، يشكل ضغطا نفسيا هائلا على التلاميذ منذ المراحل الابتدائية وحتى الثانوية، ولا يقتصر هذا الضغط على الامتحانات الرسمية، بل يتسع ليشمل الفروض الفصلية اليومية، مما يؤدي إلى انعكاسات سلبية على صحة التلاميذ النفسية والبدنية وعلى قدرتهم على التعلم الفعلي.
زهرة فاسي، الخبيرة في تقويم النظام التربوي، تلقي الضوء على هذه الظاهرة، معتبرة أن التقييم المبالغ فيه لا يعكس بالضرورة مستوى التلاميذ الحقيقي، بل يحيلهم إلى حالة من الخوف والارتباك التي تؤثر سلبا على تجربتهم التعليمية.
وشددت فاسي على ضرورة إعادة النظر في النظام التربوي الحالي، لا سيما في ما يتعلق بمراحل التعليم الأولى، حيث يتعين تأجيل الامتحانات الرسمية إلى وقت لاحق والتركيز على أساليب تعليمية تنمي الفهم والاستيعاب بعيدًا عن الضغوط.
وفي هذا السياق، قدمت فاسي رؤيتها لتطوير النظام التربوي، من خلال اعتماد تقييمات أكثر توافقا مع تطور التلاميذ العقلي والنفسي، وتنفيذ برامج دراسية ملائمة لبناء كفاءاتهم على المدى الطويل.
وتقول فاسي: “منذ فترة طويلة، أصبحنا نشهد تحولا دراماتيكيا في طريقة التقييم التربوي، حيث تم نقل مفهوم ‘التهويل’ من الامتحانات الرسمية إلى مختلف الفروض والاختبارات في المراحل الدراسية، وهذه الظاهرة أدت إلى حالة من القلق النفسي المستمر لدى التلاميذ، حيث يعيشون في ظل ضغط غير طبيعي من أجل الحصول على نتائج ممتازة، سواء في المدارس أو في المجتمع المحيط بهم.”
وتتابع المتحدثة ذاتها قائلة: “المشكلة لا تكمن في وجود الامتحانات كوسيلة للتقييم، بل في الأسلوب المتبع في إجرائها، والرهانات الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل منها مسألة حياة أو موت، مما يهدد مستقبل التلاميذ ويؤدي إلى صعوبات نفسية وتربوية لا حصر لها.”
وأكدت الخبيرة فاسي على أن التلاميذ في المراحل الابتدائية، خصوصا في السنوات الأولى (من التحضيري إلى الثالثة ابتدائي)، لا يحتاجون إلى الامتحانات بالمعنى التقليدي. وتقول: “يجب تأجيل الامتحانات إلى السنة الرابعة ابتدائي، حيث أن التلاميذ في هذه المراحل يحتاجون إلى إرساء موارد تعليمية سليمة بعيدة عن الضغط النفسي.
من المهم أن يتم التركيز على التعلم القائم على الإدراك، باستخدام الوسائل البيداغوجية المناسبة من صور وقصص وألعاب، بدلاً من جعلهم تحت ضغط الامتحانات في هذه السن المبكرة.”
وتشير إلى أن التلاميذ في المراحل الدنيا من التعليم الابتدائي بحاجة إلى بيئة تعليمية تشجع على التفكير الإبداعي دون أن يشعروا بأنهم في منافسة مع أقرانهم، أو أنهم مهددون بمستقبل دراسي مظلم بسبب نتائج امتحانات غير دقيقة.
أما فيما يتعلق بالتعليم المتوسط والثانوي، فتؤكد فاسي أن هذه المراحل تحتاج إلى تطوير الكفاءات العقلية للتلاميذ من خلال برامج دراسية ملائمة لقدراتهم.
وتقول: “من الضروري أن يتم إعادة بناء المناهج الدراسية بشكل يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ، وتوفير برامج تعليمية شاملة، تجمع بين العلوم الإنسانية والعلوم الدقيقة، وتساعد التلاميذ على أن يصبحوا فاعلين في المجتمع، من خلال تعزيز البحوث والمناقشات والعمل الجماعي.”
واعتبرت الخبيرة أن نظام التقييم التربوي في الجزائر بحاجة إلى مراجعة عاجلة، إذ أن الامتحانات والاختبارات كتحصيل حاصل لم تُسهم في تقديم صورة حقيقية عن مستوى التلاميذ، فقد نشهد تلاميذ ذوي مستوى عال يحصلون على نتائج ضعيفة، وتلاميذ بمستوى أقل يتمكنون من الحصول على نقاط ممتازة، ثم يعيدون السنة في القسم الأعلى.”
وشددت المتحدثة ذاتها على أنه من الضروري إعادة النظر في “غول” الامتحانات الرسمية والاختبارات الفصلية، مع إيقاف “التهويل” الإعلامي والمجتمعي المحيط بهذه العمليات التربوية. فالتعلم، كما تؤكد، يجب أن يكون قائما على تنمية الفهم والقدرات، وليس على الضغط النفسي والخوف من الفشل.
الخبيرة زهرة فاسي ترى أن النظام التربوي في الجزائر بحاجة إلى إصلاح شامل، مع التركيز على تحسين أساليب التقييم وتعليم التلاميذ وفقا لقدراتهم، بعيدا عن الضغوط النفسية التي تخلقها الامتحانات في ظل السياق الحالي.