آخر الأخبار

نيويورك تايمز تكشف كواليس تغطيتها مقتل تشارلي كيرك

شارك

أجرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخرا تقييما شاملا لتغطيتها مقتل الناشط اليميني الأميركي تشارلي كيرك المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، وكشفت عما دار خلف الكواليس في غرف أخبارها.

ففي العاشر من سبتمبر/أيلول 2025، شهدت جامعة يوتا فالي حادثة مدوية، حين أُطلق النار على الناشط المحافظ البارز تشارلي كيرك، مما أدى إلى مقتله. وتحوّل الحدث سريعا إلى قضية رأي عام، ليس فقط بسبب مكانة كيرك المثيرة للجدل في السياسة الأميركية، ولكن أيضا لطبيعة التغطية الكثيفة من وسائل الإعلام، وعلى رأسها صحيفة نيويورك تايمز التي وجدت نفسها أمام امتحان مهني عسير.

فالصحيفة الأميركية الأبرز نشرت خلال 6 أيام أكثر من 100 مادة خبرية وتحليلية، وهو حجم استثنائي يعكس حجم التفاعل الشعبي والسياسي مع الحادثة. وقدمت لاحقا كشفا نادرا لما دار خلف الكواليس في غرف تحريرها، وأجرت مراجعة ذاتية بشأن خياراتها التحريرية، بدءا من كيفية التحقق من الفيديوهات المروعة، إلى اللغة المستخدمة في توصيف كيرك، وصولا إلى التعامل مع سيل الشائعات.

الساعات الأولى: مزيج من السرعة والحذر

مع سماع خبر إطلاق النار، كان أول ما واجهته الصحيفة مسألة الاستيثاق من الحقائق الأساسية: هل ما يُتداول عبر الفيديوهات التي نشرت على منصات التواصل الاجتماعي صحيح؟ هل أصيب كيرك فعلًا؟

يقول محرر الشؤون المحلية بالصحيفة نيستور راموس: "اعتمدنا على 3 مبادئ أساسية: الدقة أولا، ثم الوضوح، وأخيرا السرعة، لم ننشر كلمة قبل أن نتأكد من مصادر موثوقة، رغم الضغوط الهائلة وسرعة انتشار الأخبار".

وحسب تقرير الصحيفة عن عملية التقييم هذه، فقد عقدت إدارة التحرير اجتماعا عاجلا عبر "غوغل ميت" لعدد من المحررين والمراسلين، وبدأت عملية تنسيق جماعي للتغطية، وخلال أقل من ساعة، تمكن المراسلون من تأكيد إصابة كيرك، ولاحقا وفاته، لتتغير لغة العناوين من "إصابة" إلى "اغتيال".

كيفية التعامل مع الفيديوهات الصادمة وتوصيف كيرك

وتشير إدارة تحرير الصحيفة إلى أن التحديات الكبرى التي واجهتها نيويورك تايمز شملت النقاش بشأن عرض الفيديوهات التي توثق إطلاق النار من عدمه، إذ إن التحقق من صحة المقاطع -خاصة في عصر "التزييف العميق"- لم يكن أمرا يسيرا. وبعد مراجعة دقيقة، قررت الصحيفة عرض لقطات محدودة قبل لحظة إطلاق النار، لكنها امتنعت عن نشر المشاهد الأكثر دموية.

إعلان

وفي هذا الخصوص تقول جولي بلوم، المشرفة على المدونات الحية: "كان علينا أن نوازن بين نقل الحقيقة وبين تجنب الإثارة أو التمجيد الضمني للعنف".

وحسب إدارة نيويورك تايمز، لم يكن كيرك شخصية عادية، فقد كان بالنسبة للمحافظين رمزا شابا ومؤثرا، وللليبراليين صوتا مثيرا للانقسام. لذلك، واجهت الصحيفة جدلا حول الأوصاف المستخدمة في تغطيتها: هل هو "ناشط محافظ"، أم "محرض يميني"، أم "شخصية كاريزمية مثيرة للجدل"؟

وأوضحت إدارة التحرير أن ردود فعل القراء كانت حادة، فبعضهم اعتبر الصحيفة متساهلة في مسألة وصفه، وآخرون رأوا أنها قاسية أو متحيزة. وهنا تقول بلوم: "الكلمات تصنع الانطباعات، وكان علينا أن نكون حساسين وصريحين في الوقت ذاته".

مطاردة المشتبه به وتضارب المعلومات

يقول الصحفي الاستقصائي في الصحيفة نيكولاس بوجيل-بوروز: "واجهنا سيلا من المعلومات الخطأ. حتى تشابه الأسماء كاد يورطنا، لكننا تحققنا من كل معلومة عبر مقابلات مباشرة ووثائق رسمية".

فبينما كان المراسلون يحققون في هوية مطلق النار، انتشرت معلومات مضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من بينها اعتقال رجل مسن تبين لاحقا أنه بريء، وأخبار كاذبة عن تبرعه لحملة ترامب.

في النهاية، تم تحديد المشتبه به، تايلر روبنسون، وهو شاب غاضب انخرط في مجتمعات الألعاب الإلكترونية، وترك خلفه إشارات مبهمة على أغلفة الرصاص، بينها شعارات من ألعاب فيديو وأغنية "بيلا تشاو" الإيطالية. لكن دوافعه السياسية ظلت مثار جدل.

ولم تقتصر القصة على اغتيال شخص، فقد تحولت إلى مرآة تعكس الانقسام الأميركي حول حرية التعبير، والعنف السياسي، ودور الإعلام. وخلال أسبوع واحد، أثرت القضية على برامج تلفزيونية، ودفعت إلى نقاشات محتدمة بين أنصار اليمين واليسار، وطرحت أسئلة حول سلامة المناخ السياسي في الولايات المتحدة .

مصدر الصورة مقتل كيرك لم يكن حدثا عابرا في المشهد الأميركي، ولكنه كان حادثة حظيت باهتمام كبير على مختلف الأصعدة (الفرنسية)

وتقول نيويورك تايمز إنها تلقت آلاف الرسائل من القراء، بعضهم انتقد حجم التغطية، معتبرا أن شخصيات سياسية أخرى لم تحظ بالاهتمام ذاته، بينما رأى آخرون أن اغتيال كيرك يمثل محطة فارقة تستحق المتابعة الدقيقة.

تحديات مهنية: التوازن بين السرعة والمصداقية

تعترف نيويورك تايمز بأن أصعب ما واجهته لم يكن جمع المعلومات بقدر ما كان فرز الحقائق من الشائعات. يقول راموس إن "الوثائق المسربة من الشرطة كانت مليئة بالافتراضات، بعضها تبين أنه غير صحيح.. لذلك كان علينا أن نوضح للقارئ الفرق بين ما نعرفه، وما لا يمكن تأكيده".

بدورها، رأت بلوم أن الكم الهائل من الأخبار الكاذبة شكل اختبارا غير مسبوق: "كان علينا أن نتباطأ أحيانا في النشر، وهذا صعب في بيئة إعلامية تتطلب السرعة الفائقة".

تشير نيويورك تايمز إلى أن صحفييها واجهوا وراء الكواليس تحديا إنسانيا: طرق الأبواب، والاتصال بالأصدقاء والجيران، ومحاولة الحديث إلى عائلة المشتبه به، كثيرون رفضوا التعاون أو أغلقوا هواتفهم تحت ضغط الإعلام والجمهور. ويقول محرر الشؤون المحلية جاك هيلي: "من الصعب أن تطلب من أسرة تعيش صدمة أن تتحدث إلى الإعلام، لكن هذا جزء من مهمتنا لفهم القصة كاملة".

إعلان

وتقدم تجربة نيويورك تايمز في تغطية اغتيال كيرك نموذجا لكيفية مواجهة المؤسسات الإعلامية الكبرى لاختبارات معقدة تجمع بين سرعة الخبر، وضغط الجمهور، وحساسية السياسة.

فبين التحقق من الفيديوهات، واختيار المفردات، ومواجهة التضليل الرقمي، والسعي إلى فهم الدوافع، ظهرت الصحافة الأميركية في مرآة جديدة: مرآة تعكس هشاشة الحقائق في عصر السرعة، وصعوبة التوازن بين المهنية والسبق.

إن اغتيال كيرك لم يكن مجرد حدث عابر، بل لحظة فارقة أكدت أن العنف السياسي بات واقعا متصاعدا في الولايات المتحدة، وأن الإعلام نفسه جزء من المعركة على تفسير المعنى وصياغة الرواية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا