آخر الأخبار

حين يصبح الجوع طريقًا آخر للنزوح من غزة

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

دير البلح- 15 نزوحًا لم تكفِ، كنا نظن أن التشرد المتكرر بين شوارع وأزقة شمال غزة قد أرهقنا بما يكفي، لكن الاحتلال دائمًا ما يجد وسيلة جديدة لاجتثاثنا من جذورنا، هذه المرة لم يكن السلاح طائرات وصواريخ، بل التجويع والتعطيش ومنع الغذاء والدواء عن أفواه أطفالنا قبل بطوننا نحن الكبار.

لأول مرة أرى الناس يفرّون ليس من أزيز الطائرات فحسب، بل من صرخات أطفالهم الذين يلوون بطونهم جوعًا، ومن مواليد يذبلون على صدور أمهاتهم لغياب الحليب والدواء، نزوحنا اليوم لا يقوده الخوف من الشظايا، بقدر ما هو الخوف من موت بطيء اسمه الجوع.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 زمزم.. جامعة غير ربحية تسعى لبناء حلول واقعية لمشاكل الصومال
* list 2 of 2 مركز الأطراف الصناعية الوحيد في غزة يصارع العجز والحصار end of list

المجاعة على مقاس غزة ليست عابرة، ولا محصورة في ريف أو مدينة كما عرفها العالم في تجارب سابقة، إنها مجاعة مصنوعة بإحكام، مطبقة على أكثر من 2 مليون إنسان يعيشون جميعًا انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي ، لا منافذ مفتوحة ولا معابر ولا أفق لإغاثة، فيما تتحول الأراضي الزراعية إلى مساحات جرداء، بعد أن دمر الاحتلال 95% منها.

قفزت الأسعار إلى ما وراء المنطق، كيلو الدقيق ارتفع أكثر من 30 ضعفًا، حتى باتت "اللقمة" تساوي أثمانًا خيالية، الناس هنا يقاتلون لأجل رغيف، وقد دفع 1239 فلسطينيًا حياتهم منذ أيار/مايو الماضي فقط وهم يحاولون الوصول إلى شاحنة غذاء، بينما أُصيب أكثر من 8000 آخرين في الطوابير الطويلة التي صارت مشهدًا يوميًا، (وذلك حتى كتابة هذه المقالة) فلا دخول للمساعدات ولا وصول آمن لمصادرها.

من يريد الحصول على الطعام، فعليه أن يهيئ نفسه ليكون واحدًا من شهداء المساعدات أو مصابًا من مصابيه، سمعنا كثيرًا بعبارة "لقمة مغمسة بالدماء"، هذه العبارة أضحت واقعًا يوميًا على أرصفة المساعدات في غزة.

نزوح بلا أفق

النزوح في غزة بلا أفق، فهو ليس انتقالًا من مكان خطر إلى مكان آمن، بل انتقال من موت إلى موت آخر، تكلفة المواصلات باهظة، وإيجارات البيوت فوق طاقة الناس، ولا أقول الرواتب، بل فتات الرواتب -إن وُجدت- لا تكفي شيئًا، في ظل غلاء فاحش وعمولة خيالية لم يشهدها التاريخ. كثيرون باعوا ما تبقى لهم من أثاث أو مدخرات ليشتروا ثمن الرحلة إلى المجهول.

إعلان

كم من أربعيني وستيني قضى عمره في بناء بيت "المستقبل"، ليتحول في لحظة إلى ركام، ويُضطر صاحبه لدفع ثمن سيارة نقل بدلًا من طوبة جديدة في حلم لم يكتمل.

أطفالنا هم الحكاية الأشد وجعًا وألمًا، ليس ألمًا جسديًا فحسب، بل جرحًا نفسيًا وعاطفيًا لا يندمل، 3 من كل 10 أطفال دون الخامسة يعانون اليوم من سوء تغذية حاد، وبينهم توأمي يمان وإيمان، اللذان لم يتجاوزا 6 أشهر بعد.

يموت يوميًا 4 أطفال لكل ألف نسمة بسبب الجوع أو الهزال، أرقام قاسية لكنها تفقد برودتها حين أرى زوجتي تضم طفليها بجسديهما النحيلين، ودموعها تسبق كلماتها "لم يعد في صدري حليب، جف كما جفت أعيننا من النوم، وكما جفّت الأرض من الزرع، كل ما أستطيع أن أقدمه لهما هو دموعي".

تلك اللحظة تختصر مأساة غزة كلها، أم تحاول أن تُطعم أبناءها من قلبها فلا تجد سوى الفراغ، وطفلان يبحثان عن حياة في صدر أم أنهكه الجوع، فيما يقف الأب عاجزًا كأنه يحمل العالم كله على كتفيه ولا يستطيع أن يقدّم لهم سوى حضنٍ يائس ووعودٍ مؤجلة بالحياة.

ورغم كل ذلك، هناك ما تبقى من إرادة وصمود، فما زال كثيرون يرفضون الانصياع لخارطة "المناطق الإنسانية" التي رسمها الاحتلال في مواصي خان يونس ، ويختارون البقاء قريبين من أرضهم، ولو في خيمة بالية أو بين أنقاض بيت نصف مهدّم، يعرفون أن الموت يلاحقهم أينما ذهبوا، لكنهم يدركون أيضًا أن الحياة بلا كرامة نزوح آخر، أشد قسوة من الجوع.

غزة اليوم ليست مجرد ساحة حرب، إنها مختبر قاسٍ لاختبار قدرة البشر على الصمود أمام الجوع، وفي كل مرة يظن الاحتلال أنه حاصر الغزيين حتى الاختناق، يخرج من بين ركامهم ما يشبه المعجزة، إصرار على البقاء ورفض لأن يتحولوا إلى مجرد أرقام في قوائم انتظار الموت.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا