يقول منتقدو الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني إن اتفاق استقبال المرحّلين من أميركا الذي أبرمته حكومته مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمنحه غطاء دبلوماسيا يحصّنه من المساءلة، في وقت ينتظر فيه إجراء انتخابات مثيرة للجدل بعد 5 أشهر.
ففي 21 أغسطس/آب، أعلنت وزارة الخارجية الأوغندية أنها توصلت إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال مهاجرين رُفضت طلبات لجوئهم في أميركا، لكنهم يرفضون العودة إلى بلدانهم الأصلية. ويُستثنى من الاتفاق أصحاب السوابق الجنائية والقُصّر غير المصحوبين بذويهم.
ورغم أن كمبالا فضّلت استقبال مرحّلين من أصل أفريقي، فإن واشنطن اقترحت ترحيل المواطن السلفادوري كيلمار أبرغو غارسيا الذي أصبح رمزا لمعارضة سياسات الترحيل التي يتبناها ترامب.
بالنسبة لأوغندا ، لا يُعد الاتفاق مجرد ترتيب للهجرة، بل يُنظر إليه كأداة دبلوماسية في لحظة حرجة، إذ يرى منتقدو موسيفيني أن الرئيس البالغ من العمر 79 عاما يسعى لتوظيف الاتفاق لكسب شرعية دولية قبيل الانتخابات.
وفي حين رفضت دول مثل نيجيريا وغانا وجنوب أفريقيا عروضا مماثلة من إدارة ترامب، اختارت أوغندا أن تُقدّم نفسها كشريك راغب في استقبال المرحّلين. وكان أدونيا أييباري، مندوب أوغندا الدائم لدى الأمم المتحدة ، في صلب المفاوضات.
وقد عقد مسؤولون أوغنديون وأميركيون سلسلة اجتماعات، آخرها في 30 أغسطس/آب، تناولت ملفات التجارة والهجرة والاستثمار والأمن.
كما أجرى موسيفيني اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الذي شكر أوغندا على "نموذجها في الاستقرار الإقليمي وإسهاماتها في حفظ السلام بشرق أفريقيا".
لكن اللافت أن المحادثات خلت من أي إشارات إلى الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو التحذير من التجاوزات الانتخابية، وهي قضايا كانت المعارضة الأوغندية تأمل أن تثيرها واشنطن.
ويُذكر أن انتخابات 2021 كانت الأكثر عنفا منذ وصول موسيفيني إلى السلطة عام 1986، إذ قُتل العشرات في احتجاجات، واعتُقل آلاف من أنصار المعارض روبرت كياجولاني المعروف باسم "بوبي واين"، ولا يزال بعضهم قيد الاحتجاز حتى اليوم.
ومع اقتراب انتخابات 2026، تتزايد المخاوف من تجدد العنف، خاصة بعد اعتقال وتعذيب عدد من أنصار واين بأوامر من الجنرال موهوزي كينيروغابا، قائد الجيش ونجل موسيفيني، الذي هدد علنا باعتقال واين وتعذيبه وحتى قطع رأسه قبل يوم الاقتراع.
خارج السياق الانتخابي، شهدت العلاقات بين واشنطن وكمبالا توترا خلال العام الماضي، إذ فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مسؤولين أوغنديين، بينهم رئيسة البرلمان، بسبب انتهاكات حقوقية وفساد وتشريع مناهض للشذوذ الجنسي أثار إدانات حقوقية.
ويرى محللون أن اتفاق الترحيل قد يُشكّل طوق نجاة دبلوماسيا لموسيفيني، إذ يمنحه فرصة لتخفيف الضغوط الدولية، وتعزيز شرعية نظامه، وتحييد الانتقادات الأميركية مع اقتراب الانتخابات.
ويقول البروفيسور كريستوف تيتيكا، الباحث في شؤون الحكم والنزاعات بشرق أفريقيا، إن موسيفيني لطالما استغل أولويات الغرب الجيوسياسية لتثبيت حكمه، مشيرا إلى أن استضافة اللاجئين كانت من أبرز أدوات كمبالا.
ومنذ منتصف العقد الماضي، برزت أوغندا كلاعب محوري في سياسات الهجرة العالمية، مستفيدة من أزمة الهجرة الأوروبية، ومقدّمة نفسها كدولة قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين، في ما يُعرف بـ"تأجير اللجوء" وفق تعبير تيتيكا.
واليوم، تستضيف أوغندا أكثر من 1.9 مليون لاجئ، وهو الرقم الأعلى في أفريقيا، مما يمنح موسيفيني رصيدا دوليا رغم الانتقادات المتزايدة لسجله في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ويضيف تيتيكا أن "النظام في أوغندا يدرك أهمية استضافة اللاجئين في وقت يتعرض فيه لانتقادات دولية متزايدة"، معتبرا أن الاتفاق مع واشنطن يُعد امتدادا لهذه الإستراتيجية، ويمنح النظام الأوغندي نفوذا جيوسياسيا ثمينا قبيل انتخابات 2026.
في انتخابات 2021، كانت الولايات المتحدة من أبرز المنتقدين لموسيفيني، إذ ألغت بعثتها الرقابية بعد رفض معظم طلبات الاعتماد، واعتبر وزير الخارجية آنذاك، أنتوني بلينكن، أن العملية "ليست حرة ولا نزيهة".
وتبع ذلك فرض قيود على تأشيرات مسؤولين أوغنديين متهمين بتقويض العملية الديمقراطية وارتكاب انتهاكات خلال الحملة الانتخابية.
ويرى الناشط والمحامي الأوغندي غودوين توكو أن اتفاق الترحيل يُعمّق المخاوف بشأن نزاهة انتخابات 2026، ويمنح النظام غطاء دوليا في لحظة حرجة.
ويقول إن "هذا الاتفاق يمنحهم حرية التصرف كما يشاؤون خلال موسم الانتخابات، من دون أي نقاش حول انتهاكات حقوق الإنسان أو تزوير الانتخابات".
ويضيف أن غياب الاتفاق كان سيُبقي على احتمال أن تُثير واشنطن، حتى في ظل نهج ترامب، بعض المخاوف بشأن الانتخابات، لكن "الآن، على الأرجح، ستسكت تماما".
من جهته، يقول مووادا نكونيينجي، مسؤول الشؤون الخارجية في حزب "منصة الوحدة الوطنية" المعارض، إن الحزب لا يعارض التعاون مع الولايات المتحدة من حيث المبدأ، مشيرا إلى أهمية الشراكة في مجالات الصحة والتنمية الاقتصادية.
ويضيف "ندعم الاتفاقات التي تُبرم بشفافية وتراعي الإجراءات القانونية"، مؤكدا أن المعارضة ستلتزم بها في حال وصولها إلى الحكم.
لكنه يدعو واشنطن إلى الموازنة بين مصالحها والتزامها بحقوق الإنسان والديمقراطية، قائلا إن "النظام سيحاول استخدام هذا الاتفاق كغطاء، ونحن نطالب الولايات المتحدة بالتمييز بين التعاون الوطني وضرورة محاسبة النظام على انتهاكاته".