في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
مع انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون، تتجه الأنظار إلى التحولات التي قد تُعيد رسم التوازنات العالمية، في ظل تقارب روسي–صيني متصاعد، ومحاولة لخلق فضاء استراتيجي بديل عن الهيمنة الغربية التقليدية.
ففي مشهد يعكس إرهاصات حرب باردة جديدة، وجّه الرئيسان فلاديمير بوتين و شي جينبينغ رسائل حادة إلى الغرب، متهمين واشنطن وحلفاءها بمحاولة فرض إرادة أحادية على العالم.
لكنّ القمة لم تكن مجرد استعراض سياسي، بل مثّلت خطوة عملية نحو تعزيز منظومة متعددة الأقطاب، وهو ما أثار نقاشاً واسعاً حول تداعياتها على الشرق الأوسط، والعلاقات الدولية، ومستقبل التوازنات الاقتصادية والأمنية.
شنغهاي.. منصة لمعادلة بديلة
يرى المستشار السابق في وزارة الخارجية سالم اليامي خلال حديثه إلى "رادار" على سكاي نيوز عربية أن قمة شنغهاي الأخيرة لم تكن عابرة، بل تجسيداً لاتجاه متنامٍ نحو بناء معادلة جديدة في النظام العالمي.
ويشير إلى أنّ المنظمة "تجاوزت منذ سنوات فكرة التعاون الاقتصادي فقط، لتصبح إطاراً أمنياً وسياسياً بامتياز"، حيث تجمع بين قوى كبرى مثل الصين و روسيا، إلى جانب دول صاعدة كالهند وإيران و باكستان.
ويضيف اليامي أنّ توسع المنظمة واهتمام دول عربية، بينها السعودية و مصر، بالانضمام أو تعزيز الشراكة معها، يعكس إدراكاً متزايداً بأنّ العالم يتجه نحو تعدد الأقطاب، وأنّ الاعتماد المطلق على الغرب لم يعد خياراً آمناً.
تحدٍ مباشر للهيمنة الغربية
أما محلل الشؤون الأميركية في سكاي نيوز عربية موفق حرب، فيؤكد أن قمة شنغهاي حملت رسائل واضحة للغرب، مفادها أن القوى الصاعدة لم تعد تقبل بالتفرد الأميركي.
ويقول: "ما شهدناه هو إعلان غير مباشر عن رغبة في صياغة بديل، أو على الأقل إطار موازٍ، للمنظومة الغربية".
ويشير حرب إلى أن هذا التوجه لا يعني بالضرورة قطيعة مع الغرب، لكنه يضعه أمام معادلة جديدة: إمّا القبول بشراكة متكافئة، أو مواجهة اصطفاف دولي متماسك يسعى لتقليص نفوذه.
مصالح متقاطعة ورؤية مشتركة
يشير اليامي إلى أنّ التناغم بين موسكو وبكين لم يأتِ صدفة، بل هو نتاج مصالح متقاطعة. فروسيا التي تواجه عزلة غربية بسبب حرب أوكرانيا، تجد في الصين داعماً استراتيجياً، بينما ترى بكين في موسكو شريكاً ضرورياً في مواجهة الضغوط الأميركية في ملفات التجارة والتكنولوجيا وتايوان.
ويؤكد اليامي أنّ هذا التقارب ليس مجرد تحالف تكتيكي، بل يعكس إدراك الطرفين أن مواجهة الغرب تستلزم بناء جبهة متينة، قادرة على جذب شركاء آخرين، خاصة من آسيا والشرق الأوسط.
رسائل بوتين وشي كانت موجهة مباشرة لواشنطن
من جانبه، يرى حرب أن الخطابات التي ألقاها الرئيسان بوتين وشي جينبينغ خلال القمة لم تترك مجالاً للالتباس. فقد حمّلا الغرب مسؤولية زعزعة الاستقرار الدولي، وتعهدا ببناء نظام قائم على "العدالة والتعددية".
ويقول حرب: "هذه ليست مجرد شعارات، بل خارطة طريق لمشروع استراتيجي طويل المدى".
الشرق الأوسط.. ساحة اختبار للمعادلة الجديدة
يلفت سالم اليامي إلى أنّ الشرق الأوسط، يتابع باهتمام تطورات منظمة شنغهاي، ليس فقط من زاوية سياسية، بل أيضاً اقتصادية وأمنية.
ويؤكد أنّ "انضمام السعودية كعضو مراقب، ومشاركتها الفاعلة في القمة، دليل على إدراكها أنّ مستقبل الأمن والتنمية يتطلب تنويع الشراكات الدولية".
ويضيف أنّ القمة تمنح المنطقة فرصة لإعادة صياغة موقعها في النظام العالمي، خصوصاً أنّها تمثل جسراً بين الشرق والغرب، وتملك أوراقاً استراتيجية مثل الطاقة والممرات البحرية.
الغرب يخشى من انزلاق المنطقة نحو شنغهاي
في المقابل، يرى موفق حرب أن واشنطن تراقب بقلق التقارب المتزايد بين بعض دول الشرق الأوسط ومنظمة شنغهاي.
ويقول: "الولايات المتحدة تدرك أن خسارة نفوذها في هذه المنطقة تعني تراجع قدرتها على التحكم في المعادلات العالمية، لذلك سنشهد محاولات حثيثة لاحتواء هذا التوجه".
ويؤكد حرب أن المعضلة بالنسبة للغرب تكمن في أنّ دول الشرق الأوسط لم تعد تنظر إلى واشنطن كحليف وحيد، بل باتت تتعامل مع موسكو وبكين كخيارات استراتيجية بديلة أو موازية.
البعد الاقتصادي.. الذهب في مواجهة الدولار
يربط اليامي بين مخرجات القمة وتنامي ظاهرة تراجع الثقة في الدولار كسلاح للعقوبات.
ويشير إلى أنّ "استخدام واشنطن لعملتها كسلاح سياسي في الأزمات، دفع العديد من الدول إلى التفكير جدياً في البحث عن بدائل، سواء عبر تعزيز احتياطيات الذهب أو استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية".
الاقتصاد في قلب المواجهة
يذهب موفق حرب في الاتجاه ذاته، مؤكداً أنّ الصراع لم يعد سياسياً فقط، بل اقتصادياً بامتياز.
ويقول: "ما يجري هو محاولة لفك ارتباط الاقتصاد العالمي بالدولار، وهو أمر في حال نجاحه سيشكل أكبر ضربة للنظام الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
مستقبل النظام الدولي.. إلى أين؟
يتوقع اليامي أن يستمر العالم في مرحلة انتقالية لسنوات قادمة، حيث يتقاطع النفوذ الغربي التقليدي مع صعود كتل جديدة مثل شنغهاي وال بريكس.
ويرى أنّ "الشرق الأوسط سيكون أحد أبرز ساحات هذا التنافس، وسيُطلب من دوله أن تحدد موقعها بوضوح أكثر في المعادلة الجديدة".
أما موفق حرب فيؤكد أن الولايات المتحدة، رغم تراجعها النسبي، لن تسلّم بسهولة بنظام متعدد الأقطاب.
ويقول: "سنشهد المزيد من الضغوط والعقوبات والتحالفات العسكرية التي تهدف إلى كبح نفوذ روسيا والصين، لكن السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لواشنطن تحمّل تكلفة هذه المواجهة؟".
عالم يتغيّر بخطوات ثابتة
تكشف قمة شنغهاي الأخيرة أنّ العالم لم يعد كما كان قبل عقد من الزمن. فالتكتلات الجديدة تفرض حضورها، والرسائل التي وجّهها بوتين وشي جين بينغ تعكس إصراراً على بناء معادلة بديلة. وبينما يحاول الغرب الحفاظ على موقعه، تتسع دائرة الدول التي تبحث عن تنويع خياراتها، وفي مقدمتها دول الشرق الأوسط.
وبينما يرى سالم اليامي أنّ المرحلة الحالية تمثل انتقالاً نحو نظام متعدد الأقطاب، يؤكد موفق حرب أنّ المواجهة بين واشنطن والقوى الصاعدة ستبقى مفتوحة على احتمالات عديدة، من التنافس الاقتصادي إلى التوترات الأمنية. لكن الثابت في كل ذلك، أنّ قمة شنغهاي أطلقت إشارة واضحة: العالم يدخل معادلة جديدة، لم يعد فيها التفرد الغربي أمراً مسلّماً به.