تعود إلى واجهة المشهد السياسي الأميركي مجددا قضية تصنيف جماعة "الإخوان" كمنظمة إرهابية، عقب إعلان وزير الخارجية ماركو روبيو، أن هذا المسار بات "قيد الإعداد" ضمن عملية مؤسسية معقدة تتطلب توثيقا قانونيا محكما لتجنب إسقاطه في ساحات القضاء.
ويرى محللون أميركيون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن إعادة طرح ملف تصنيف "الإخوان إرهابية" في واشنطن، يعكس تحولا في المزاج السياسي الأميركي تجاه الجماعة، خصوصا في ظل اتهامها بدعم ومساندة عمليات عنف وجماعات مُصنفة كـ"إرهابية"، غير أن التعقيدات القانونية التي أشار إليها "روبيو" توحي بأن المعركة قد تكون طويلة.
مشروع "كروز"
جاءت تصريحات "روبيو" بعد أيام من إعلان السيناتور الجمهوري تيد كروز، تقديم نسخة محدثة من مشروع قانون "تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية"، إذ اعتبر حينها أن "الجماعة تستخدم العنف السياسي لتحقيق أهداف سياسية، وزعزعة استقرار حلفاء أميركا، سواء داخل الدول أو عبر الحدود".
ووفقا لوثيقة وزعها مكتب كروز على أعضاء مجلس الشيوخ، فإن مشروع القانون يمنح وزارة الخارجية صلاحيات جديدة لتصنيف الفروع المرتبطة بالإخوان جماعات إرهابية، كما يلزم الوزارة بإعداد قائمة شاملة بهذه الكيانات خلال 90 يوما من إقرار القانون.
ويتضمن التشريع المقترح 3 مسارات لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية، وهي إجراء من الكونغرس بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 1987، ثم تصنيف رسمي من وزارة الخارجية كمنظمة إرهابية أجنبية، تليه إدراج الجماعة على قائمة الإرهاب العالمي.
ماذا قال روبيو عن "الإخوان"؟
في مقابلة مع برنامج "Sid and Friends in the Morning"، أوضح وزير الخارجية الأميركي أن خطوة تصنيف جماعة "الإخوان" كمنظمة إرهابية "قيد الإعداد وتتم وفق عملية قانونية دقيقة"، لافتا إلى أن للجماعة فروعا متعددة، ما يستدعي تصنيف كل فرع منها على حدة.
وأشار روبيو، إلى أن هذه الخطوة تخضع لعملية قانونية معقدة، لم يكن يدرك تفاصيلها بالكامل قبل توليه المنصب، موضحا أن القرارات من هذا النوع غالبا ما تتعرض للطعن أمام المحاكم، الأمر الذي يفرض الحذر الشديد وجمع المستندات والأدلة لإثبات القرار، "تماما كما يُطلب إظهار خطوات الحل في مسائل الرياضيات أمام المحكمة".
وأكد أن وزارة الخارجية تجري مراجعة وتوثيقا وتبريرا داخليا لأي قرار من هذا النوع، حتى في حال اليقين بطبيعة الكيان المستهدف، لأن الطعون القضائية قد تعطل التنفيذ، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تواجه مئات القضايا حاليا، وأن قاضيا فيدراليا واحدا يمكنه إصدار أمر يوقف القرار على مستوى البلاد، "وكأنه يدير شؤون الدولة من على منصة القضاء"، على حد وصفه.
وأضاف روبيو أن ما يجري حاليا هو جزء من عملية مراجعة شاملة للجماعات التي يمكن تصنيفها كداعمة للإرهاب أو إرهابية بذاتها، مؤكدا أن الولايات المتحدة لم تقم بهذه الخطوة منذ مدة طويلة، وأن أمامها الكثير لتعويض ما فات، مشددا على أن جماعة "الإخوان" تحديدا تمثل "مصدر قلق بالغ".
"ضغوط شعبية" لتنفيذ القرار
بدوره، اعتبر مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، توم حرب، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن فكرة تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي مطروحة في الولايات المتحدة منذ فترة، وتشهد ضغوطا شعبية متزايدة لدفع الإدارة الأميركية نحو هذا القرار.
وأضاف حرب، أن التطورات الجذرية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في غزة، ودور "الإخوان" في الضغط على حركة حماس لعدم الاستسلام، إلى جانب الثقل السياسي للإسلام السياسي في القطاع، جميعها عوامل عززت الدعوات للتصنيف، محذرا من أن تمدد الإسلام السياسي في أوروبا والولايات المتحدة يشكل خطرا لا يهدد الغرب فحسب، بل يطال أيضا دول الاعتدال في العالم العربي.
وأوضح أن الكثير من الدول العربية أدرجت الجماعة على قوائم الإرهاب، وأن أي خطوة أميركية مماثلة ستلقى ترحيبا واسعا، لافتا إلى أن السماح للإخوان بممارسة أنشطتهم في الغرب بشكل علني ينعكس سلبا على الأمن العربي.
وأشار حرب إلى أن المظاهرات المؤيدة لحماس في الجامعات الأميركية استندت فكريا إلى أدبيات وأفكار الإخوان، حتى وإن لم يظهروا في الواجهة مباشرة، وبالتالي الجماعة تغذي هذه الحركات الطلابية وتوجه أهدافها.
واعتبر أن إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب في الولايات المتحدة سيكون له أثر إيجابي، إذ سيؤدي إلى تكثيف الرقابة الاستخباراتية على المجموعات المرتبطة بها، وفرض عقوبات عليها، وربما تفكيكها داخل الأراضي الأميركية.
وعن تبعات هذه الخطوة، أشار إلى أنه في حال تطبيق القرار، قد تحذو أوروبا حذو واشنطن، في ظل تحذيرات من احتمال اندلاع أعمال عنف واسعة إذا تحركت شبكات الإسلام السياسي في شوارع دول مثل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وألمانيا.
إجراءات "دقيقة"
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة موري ستايت الأميركية، إحسان الخطيب، إن هناك الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية على إدارة ترامب لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، لكن هناك الكثير من التعقيدات القانونية أمام صانع القرار الأميركي، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات دقيقة منعًا لبطلان القرار، كما ذكر الوزير روبيو.
وأوضح الخطيب في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن حظر الجماعة سيجعل أوضاع المنتمين إليها أو المرتبطين بها أكثر تعقيدا، بالنظر إلى قوة النفوذ الأميركي على الساحة الدولية وقدرته على التأثير في سياسات دول أخرى، ما قد يدفع بعض الدول الغربية إلى تبني النهج ذاته.
وشدد على أن ما وصفه بـ"التريث الأميركي" لا يلغي احتمال اتخاذ إجراءات ضد جمعيات أو كيانات ترتبط "الإخوان"، وهو مسار أسهل بكثير، مؤكدًا أن إدارة ترامب فحصت هذا الملف أكثر من مرة لكن لم يتم تنفيذه خلال الولاية الأولى له بسبب معارضة "الدولة العميقة"، لكنها تبدو جادة في التنفيذ هذه المرة.