في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
السويداء- لليوم الثاني على التوالي، لم تهدأ الاشتباكات في السويداء (جنوب سوريا) بين مسلحين من الطائفة الدرزية وآخرين من العشائر البدوية، وهو ما استدعى تدخل القوات الحكومية عبر المحور الشمالي القادم من دمشق ، والغربي القادم من محافظة درعا المجاورة.
وازدادت حدة الاشتباكات فجر اليوم الإثنين، لتشمل عدّة محاور في محيط ريف السويداء الغربي منها قرى الدور وتعارة والدويري، وقرى كناكر والثعلة، وامتدت أيضا إلى حي المقوس (شرقي السويداء) الذي تقطنه عائلات من العشائر البدوية.
وذكر المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا أن قوات وزارتي الدفاع والداخلية دخلت السويداء منذ ساعات الصباح الأولى، مشيرا إلى ضرورة نزع سلاح "المجموعات الخارجة عن القانون" بشكل كامل، ومؤكدا إجراء تنسيق واسع مع كل الأطراف الفاعلة بالمحافظة قبل بدء تنفيذ خطّة الانتشار الأمني.
وبحسب الداخلية، فإن الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء قد أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من 30 قتيلاً ونحو 100 جريح في إحصاء أولي.
وذكرت الوزارة في بيانٍ أن "هذا التصعيد الخطير يأتي في ظل غياب المؤسسات الرسمية المعنية، مما أدى إلى تفاقم حالة الفوضى وانفلات الوضع الأمني، وعجز المجتمع المحلي عن احتواء الأزمة رغم الدعوات المتكررة للتهدئة، وقد أسفر ذلك عن ارتفاع عدد الضحايا، وتهديد مباشر للسلم الأهلي في المنطقة".
وبالتوازي، سمع السكان المحليون في السويداء وقراها، قرابة الساعة 11 والنصف من صباح اليوم تحليقاً لطيران حربي إسرائيلي على ارتفاعات منخفضة، أعقبه تصاعد أعمدة الدخان منبعثا من الحدود الإدارية الغربية للسويداء، والتي تفصلها عن محافظة درعا.
من جهته، جدد الرئيس الروحي لما يسمون الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري رفضه دخول قوات الأمن العام التابعة للداخلية إلى السويداء والقوات التابعة لهيئة تحرير الشام، وطالب مجدداً بحماية دولية للدروز.
لكن بالمقابل، صرّح باسم أبو فخر، الناطق الإعلامي باسم "حركة رجال الكرامة" بأنّ "موقف الشيخ الهجري لا يُمثل كلّ السويداء، والتي تحوي تياراً وطنياً واسعاً تتجاهله الدولة" معتبرا أن "السويداء تُعاقب منذ 7 أشهر اقتصادياً وأمنياً بناءً على ذلك المُعطى غير الدقيق".
وأوضح أبو فخر -للجزيرة نت- أن الحركة كانت قد تقدمت منذ نحو أسبوعين بمبادرة إلى الحكومة السورية، تعكس فيه رغبتها بتطويع الآلاف من مقاتليها في وزارتي الداخلية والدفاع، لكنه نفى تلقيهم أيّة موافقة على طلبهم.
وكانت حركة رجال الكرامة -وهي الفصيل العسكري الأكبر عددا والأقوى تسلحا بالسويداء ويتزعمها الشيخ يحيى الحجار- قد أصدرت بيانا مساء أمس أوضحت فيه أن لغة العقل يجب أن تكون هي السائدة، وضرورة بذل الجهود لوقف التصعيد، وتطويق الاشتباك.
وأكدت في بيانها أن "مبدأ الدفاع عن النفس لا حياد عنه، وهو حق مشروع تكفله كل القوانين السماوية والوضعية، لذلك دفعت الحركة بمقاتليها في مواقع التماس" معلنة النفير العام "دفاعاً عن الأرض والعرض، ومن أجل حماية السلم الأهلي وردع من يستبيح أمن الناس".
وبدوره قال نجيب أبو فخر رئيس المكتب السياسي للمجلس العسكري بمنطقة جنوب سوريا إن "تداعيات الأحداث الحالية تتعدى مسألة احتجاز سائق سيارة خضار وسلبه مبلغاً مالياً" في إشارة إلى الشرارة التي اندلعت على إثرها المواجهات بين الطرفين، ويضيف موضحا "بل إنها تعود إلى التطاول والتعدّي على محافظ السويداء مرات عديدة، أي النيل من هيبة الدولة".
ويتساءل أبو فخر عن الموقف تجاه الرئيس السوري أحمد الشرع قائلا "لماذا نقول إنه أمام اختبار منذ 8 أشهر، ولا نقول إننا نحن كنّا أمام اختبار في الحكم الذاتي خلال المدّة نفسها؟" وبرأيه فإن "النتيجة كانت فشلنا بالحكم الذاتي وإدارة شؤوننا، حتى لو أن مؤسسات الدولة لا تتبع لنا".
يُذكر أن المجلس العسكري يضم 650 ضابطا وضابط صف من الذين كانوا بالجبهة الوطنية لتحرير سوريا سابقاً، ويقوده العميد ياسر زريقات من درعا.
يرى عضو الهيئة العامة لحراك السويداء محمود السكر أنّ ما تشهده السويداء حالياً، من انفلات أمني وتفش للفصائل المسلحة والسلاح غير المنضبط، لا يصبّ في صالح المحافظة وأهلها.
وقال للجزيرة نت إن "مطلب وجود الدولة وبسط سلطتها هو دعوة وطنية جامعة لا تقتصر على السويداء فقط، بل تشمل كل شرفاء سوريا".
وبينما يطرح تساؤله "هل الدولة موجودة بالفعل؟" يكمل فيجيب أنه "من المتوقع أن تستمر هذه المعاناة، ومعها تباين الآراء، فالرؤية السائدة تشير إلى أن الأطراف المتحكمة في الواقع السوري، والتي تعمل على تنفيذ مخططات معينة، هي من تدير زمام الأمور بشكل كامل".
وقد شهد مقهى جذور الثقافي وسط المدينة، صباح اليوم، بحسب الناشط السياسي مروان حمزة، حالة انشقاق وتباين حاد بالآراء بين من حضر من أعضاء مؤتمر السويداء العام -والذي عُقد بتاريخ 17 يونيو/حزيران، وخرج المشاركون حينها بثوابت أهمها أن السويداء جزء من سوريا رافضين مشاريع الانفصال والتبعية الخارجية- لكنهم خلال النقاش ذهب بعضهم لتأييد فكرة المطالبة بحماية دولية، وآخرون رفضوا ذلك".
ويقول حمزة للجزيرة نت "على الأغلب أن تتغير جميع المعادلات في نهاية النهار، وكذلك ربما يتغير الوضع التكتيكي والإستراتيجي على أرض الواقع، لأن قوات الأمن العام والجيش باتت توجد بكثافة في القرى الغربية، وصدر بيانٌ عن الداخلية حذرت فيه من مواجهة القوات الحكومية حين تدخل إلى السويداء".
وفي بيانٍ صادر عن دار الإمارة في قرية عرى، من قبل الأمير حسن الأطرش، وهو أحد وجهاء السويداء، جاء التأكيد واضحاً على هوية السويداء الوطنية، وورد فيه "لا خيار لنا سوى الدولة، ونحن بالتواصل مع سماحة مشايخ العقل وزعماء ووجهاء الجبل، نريد الوصول إلى حلّ يرضي جميع أهالي السويداء، ويجب على الجميع إعطاء الفرصة للتوصل إلى الحل".
وذكر شادي خويص، وهو أحد نشطاء التجمع المدني من أجل سوريا (تجمع نشطاء سياسيين مستقل) -ومن خلال متابعته لمجريات الأحداث- أن هناك قلقاً كبيراً لدى الشارع المحلّي، وتشوّشاً عاماً في الأفكار.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت "نلوم السلطة لأنها تحاول استثمار ما يحدث، ونلوم أيضاً من تصدّر المشهد في السويداء ولم يستطع الإفصاح عن خطاب وطني حقيقي جامع قدر الإمكان، وهذا ما جعلنا عاجزين عن تلافي شرارة الفتنة التي ندفع ثمنها حالياً، وما يهم الآن هو وقف النار بأية طريقة، والبدء بمفاوضات للوصول لاتفاق، وتجنيب الناس من جميع الأطراف دفع الفاتورة".