شهدت أسعار الذهب خلال اليومين الماضيين هبوطاً مفاجئاً ودراماتيكياً بنسبة وصلت إلى 7.5 في المئة، مسجلةً الأربعاء، 22 من أكتوبر تشرين الأول، أكبر خسارة يومية منذ 12 عاماً.
وكان الذهب قد حقق ارتفاعات ملحوظة منذ بداية عام 2025، إذ أشار تقرير مجلس الذهب العالمي إلى أن الأسعار واصلت الصعود بوتيرة قياسية، مرتفعة بنسبة 26 بالمئة مقابل الدولار الأميركي خلال النصف الأول من العام.
وعاد الذهب، مطلع 2025 إلى واجهة المشهد الاستثماري بقوة، وسط إقبال متزايد من الأفراد والمؤسسات الباحثين عن الملاذات الآمنة، في ظل مخاوف من تراجع الأصول الورقية وضعف العملات نتيجة التضخم والتوترات الجيوسياسية.
وبحسب تقارير اقتصادية، فقد تجاوز سعر الأونصة (31.10 غراماً تقريباً) حاجز 3,600 دولار خلال فترة من هذا العام، بعد أن كان أقل بكثير قبل عام واحد فقط.
غير أن الهبوط المفاجئ الذي أعقب هذا الارتفاع المستمر أثار جدلاً واسعاً حول ما إذا كان الاستثمار في الذهب لا يزال يمثل فرصة حقيقية، أم أن السوق بلغ مرحلة التشبّع ودخل في مسار تصحيحي، أو ربما مرحلة جني الأرباح للمستثمرين.
فبينما يرى بعض المحللين أن الوقت لا يزال مناسباً للشراء، يعتقد آخرون أن الفرصة قد تأخرت، وأن الأفضل هو الانتظار حتى تتضح الصورة.
يرى الخبير الاقتصادي، البروفيسور فارس مسدور، أن الانخفاض الأخير ناتج عن مزيج من العوامل، أبرزها محاولات بعض الأطراف – وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية – إغراق السوق بهدف خفض الأسعار وإدخال الصين في أزمة اقتصادية، باعتبارها من أكثر الدول شراءً واستهلاكاً للذهب، فضلاً عن كونها مستثمراً طويل الأمد فيه.
ويؤكد مسدور أن الصين تتعامل بسياسة "النفس الطويل"، وتمتلك قدرة مالية تمكّنها من تجنّب البيع في الوقت الحالي بل والاستفادة من انخفاض الأسعار لتعزيز مشترياتها.
ويضيف الأكاديمي الجزائري أن زيادة العرض مقابل العملات المختلفة، والخوف من المستقبل، والرغبة في السيولة النقدية، كانت أيضاً من العوامل المؤثرة، وإن كانت ثانوية.
ولعل تعثر الجهود الأمريكية للتوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، أسهم في خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية.
وفي الوقت نفسه، زادت روسيا من احتياطها من الذهب لدعم اقتصادها وتعزيز استقرار عملتها، وفقاً لتقارير إعلامية، ما يعكس تبايناً في تأثير هذه التحركات على أسعار الذهب.
ويتفق مسدور مع الرأي القائل إن واشنطن تسعى إلى زعزعة القوة الاقتصادية لكلٍّ من الصين وروسيا، مضيفاً أن العوامل الجيوسياسية – كالحرب الدائرة في غزة وتكلفتها الباهظة – كان لها أيضاً دور في هذا التراجع.
يعود الإقبال الكبير على شراء الذهب إلى ثلاثة أسباب رئيسية:
ورغم أن محللين اقتصاديين يرون أن الوقت الحالي قد يكون مناسباً للشراء بكميات محدودة، إلا أن البروفيسور مسدور يدعو إلى الحذر والتأني، خصوصاً بالنسبة للأفراد الذين يستثمرون مدخراتهم الشخصية، وينصح بعدم المجازفة حتى تتضح اتجاهات الأسعار العالمية.
يُقاس الذهب بالـ"غرام"، وتُحدَّد نقاوته بالقيراط، وفق التصنيفات التالية:
تتميز العيارات المنخفضة بمتانة أكبر مقارنة بالعيارات الأعلى نقاءً، بينما تختلف ألوان الذهب تبعاً للمعادن المضافة إليه.
فالذهب الأصفر ينتج عن مزج الذهب بالفضة والنحاس، والذهب الأبيض يخلط بمعادن مثل البلاديوم والنيكل، أما الذهب الوردي فينتج من إضافة النحاس بنسبة أعلى.
ويختلف الناس في السبب الدافع لهم لشراء الذهب، لكن ما يشترية الناس من الذهب "القطع الذهبية" ينقسم إلى:
وفي الأسواق العربية، يبرز الإقبال المتزايد على الأونصات والسبائك الصغيرة (1 إلى 100 غرام) إضافة إلى العملات الذهبية التقليدية مثل الليرة الذهبية أو الجنيه الذهبي المنتشرة في مصر والسودان واليمن.
وقد اتجه كثير من المستثمرين مؤخراً إلى شراء السبائك الاستثمارية باعتبارها أكثر أماناً وأقل تأثراً بهوامش البيع والشراء.
يؤكد البروفيسور مسدور أن السبائك الذهبية تظل الخيار الأول للمستثمرين، لكونها أقل تكلفة وأعلى فاعلية في الحفاظ على القيمة على المدى الطويل. يليها الذهب على شكل عملات معدنية لما له من قيمة رمزية وسهولة في التداول.
أما المجوهرات الذهبية، فينصح بعدم شرائها لأغراض استثمارية، إذ تُعامل عادة عند البيع كـ "ذهب مستعمل" منخفض القيمة مقارنة بسعر الشراء.
وينصح خبراء المعادن الثمينة الراغبين في الاستثمار طويل الأمد بالتركيز على السبائك والعملات الاستثمارية، باعتبارها أدوات مالية مرنة تجمع بين الحفظ والسهولة في التسييل.
يتوقع محللو ساكسو بنك أن تشهد أسعار الذهب تصحيحاً بنسبة تصل إلى 10 في المئة قبل أن تستأنف مسارها الصاعد مجدداً، وهو ما يتفق معه اقتصاديون في بنك ستاندرد تشارترد الذين يؤكدون استمرار الاتجاه الإيجابي على المدى المتوسط.
أما البروفيسور مسدور فيرى أن الأشهر القليلة المقبلة قد تشهد ركوداً نسبياً في الأسعار، وربما يمتد ذلك حتى مطلع العام القادم، قبل أن تبدأ مرحلة جديدة من الانتعاش الكبير.
ويعزز هذا التوجه ما أشار إليه محللو بنك مونتريال، الذين وصفوا التراجعات الحالية بأنها "طبيعية" قبل انطلاق دورة صعودية جديدة، في حين توقّع بنك HSBC أن يبلغ الذهب مستويات 5000 دولار للأونصة بحلول عام 2026 في ظل استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي عالمياً.
ينصح الاقتصاديون، المستثمرين في سوق الذهب، سواء كانوا من ذوي الخبرة أو المبتدئين، بالتعامل مع هذا السوق بحذر ووعي، ومراعاة مجموعة من الاعتبارات الأساسية قبل اتخاذ قرار الشراء.
ويختتم البروفيسور مسدور نصيحته بالقول إن "الذكي هو من يستثمر بوعي، لا من ينجرف وراء الضجة الإعلامية".
فإذا كنت تفكر في شراء الذهب اليوم، فابدأ بتحديد هدفك، واختر القطعة التي تتناسب مع ميزانيتك واستراتيجيتك، وراقب حركة السوق باستمرار. فبهذا النهج يصبح الذهب خطة أمان مالية لا موضة استثمارية عابرة.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة