إن نيل المغفرة بعد خطأ ارتكبته أيسر من نيل موافقة العمل على استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الوظيفية، هكذا يقول جون، مهندس البرمجيات في شركة لتكنولوجيا الخدمات المالية.
وجون هو واحد من بين عديدين يستعملون أداة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم في العمل دون ترخيص من قسم تكنولوجيا الاتصالات في الشركة، ولهذا السبب فضلت بي بي سي عدم الكشف عن اسمه بالكامل.
وبحسب استطلاع للرأي أجرته شركة سوفتوير آي جي، فإن نصف الموظفين في مجالات المعرفة يستعينون بأداوت الذكاء الاصطناعي الشخصية في أداء مهام عملهم.
ويعرّف البحث موظفي المعرفة بأنهم الموظفون الذين "يعملون في المكتب أو على الحاسوب".
والسبب بالنسبة لبعضهم هو أن قسم تكنولوجيا الاتصالات في وظائفهم لا يمنحهم أدوات الذكاء الاصطناعي، أما البعض الآخر فيريدون استعمال أدوات من اختيارهم هم.
وتوفر شركة جون لموظفيها "غيت هاب كوبايلوت" للمساعدة في تطوير البرمجيات بالذكاء الاصطناعي، لكن جون يفضل "كيرسر".
ويقول جون: "إنها أداة إكمال تلقائي قوية، لكنها جيدة. تكمل 15 سطراً دفعة واحدة. وعندما تُراجِع النص تقول [لنفسك] إن هذا ما كنت سأكتبه، فعلاً. تحررك، فتصبح أكثر طلاقة".
ويوضح جون أن استعمال الذكاء الاصطناعي دون ترخيص، لا يخالف سياسة الشركة التي يعمل فيها. وكل ما في الأمر أنه يتجنب إجراءات الموافقة الطويلة.
ويحث جون الشركات على إبداء بعض المرونة فيما يتعلق باختيار أدوات الذكاء الاصطناعي.
"أنصح أرباب العمل بعدم تجديد التراخيص الجماعية لمدة سنة مرة واحدة؛ لأن المشهد سيتغير تماماً في غضون ثلاثة أشهر. فكل فرد سيغير رأيه وسيرغب في أن يجرب شيئاً مختلفاً، وسيشعر [المسؤولون] حينها بأنهم مثقلون بنفقات غير قابلة للاسترداد".
ومما لا شك فيه أن طرح النموذج الصيني المجاني "ديبسيك" من شأنه أن يوسع خيارات الذكاء الاصطناعي.
أما بيتر، وهو اسم مستعار لمدير مشروع في شركة لتخزين البيانات، فإن شركته تقدم لموظفيها "جيميناي تشات بوت" وهي أداة الذكاء الاصطناعي لغوغل.
وتمنع الشركة استعمال أدوات الذكاء الاصطناعي الخارجية، لكن بيتر يستعمل "تشات جي بي تي" عبر محرك البحث "كاغي"، حيث يرى فائدة كبيرة في الذكاء الاصطناعي عندما يطلب منه الإجابة على الأسئلة المتعلقة بخططه من زوايا مختلفة.
ويقول بيتر إن أهمية الذكاء الاصطناعي لا تكمن في بإجابة أسئلتك، بقدرما تتعلق بتوفيره من تتحاور معه بشأن أفكارك. فحين تكون مدير مشروع ما، فإنك تضطلع بمسؤوليات كبيرة دون أن تتمكن من مناقشة استراتيجيتك بشكل صريح. ومن ثم فإن هذه الأدوات توفر لك ذلك دون حدود".
ويمكن لنسخة (4o) من تشات جي بي تي، التي يستعملها بيتر أن تحلل الفيديوهات؛ حيث "يمكنك الحصول على ملخصات لفيديوهات المنافسين، وأن تشرع في حوار مع أداة الذكاء الاصطناعي بشأن النقاط التي تناولتها المقاطع المصورة، وكيف تتداخل من منتجاتك".
وفي حوار مدته 10 دقائق مع "تشات جي بي تي"، يمكنه مراجعة مادة تأخذ من بيتر عادة من ساعتين إلى ثلاث ساعات من الزمن لمشاهدة المقاطع المصورة.
ويقدّر بيتر زيادة الانتاجية بفضل الذكاء الاصطناعي، بما يعادل توظيف الشركة لشخص ثالث يعمل مجاناً.
وفي الحقيقة، لا يعرف بيتر السبب وراء منع شركته أدوات الذكاء الاصطناعي الخارجية، لكنه يعتقد أن الأمر يتعلق بالسيطرة.
ويقول إن الشركات تريد أن تكون لها كلمة فيما يتعلق بأدوات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الموظفون، وهي حدود جديدة لتكنولوجيا الاتصالات، ويريد [أصحاب العمل] أن يتوخوا الحذر بشأنها".
ويُطلَق أحياناً على استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي دون ترخيص "ذكاء الظل"، وهو وصف دقيق لجزء من "تكنولوجيا الظل"، ويقصد به عندما يستخدم شخص ما برمجيات أو خدمات تكنولوجية دون الحصول على الموافقة.
وتساعد شركة هارمونيك سيكيوريتي في الكشف عن تكنولوجيا الظل، ومنع مستعمليها من إدخال بيانات الشركات في أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة غير مرخصة.
وتتعقب الشركة حالياً أكثر من 10 آلاف تطبيق للذكاء الاصطناعي، رصدت 5 آلاف منها خلال تشغيلها، من بينها نماذج خاصة من "تشات جي بي تي" وبرمجيات الأعمال المضافة إليها خاصية للذكاء الاصطناعي مثل تطبيق الاتصالات "سلاك".
وعلى الرغم من شعبية تكنولوجيا الظل، إلا أنها لا تخلو من المخاطر.
فقد صُممت أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة على أساس هضم كمية ضخمة من المعلومات، بطريقة تسمى التدريب.
وقد رصدت شركة "هارمونيك سيكيوريتي" نسبة 30 في المئة من التطبيقات، دربت نفسها باستعمال المعلومات التي يُدخلها المستعمل.
وهذا يعني أن المعلومات التي يوفرها المستخدم، تصبح جزءاً من أداة الذكاء الاصطناعي، وقد تصبح نتائج بالنسبة لمستخدمين آخرين في المستقبل.
وتخشى الشركات أن تنكشف أسرار صنعتها من خلال إجابات أدوات الذكاء الاصطناعي، لكن أليستر باترسون رئيس ومؤسس شركة هارمونيك سكيوريتي يعتقد أن ذلك أمر مستبعد، قائلاً "إن من الصعب استخراج البيانات مباشرة من أدوات الذكاء الاصطناعي".
ومع ذلك، فإن الشركات لا تطمئن إلى تخزين بياناتها في خدمات الذكاء الاصطناعي التي لا تسيطر عليها، والتي لا علم لها بها، أو التي تكون عرضة للاختراق.
وفي الوقت نفسه، سيكون من الصعب على الشركات أيضاً أن تقاوم استعمال جميع أدوات الذكاء الاصطناعي، لأنها قد تكون مفيدة للغاية، خاصة للعمال الشباب.
ويقول سايمون هيتون مدير مجموعة البرمجيات (أدابتافيست) إن الذكاء الاصطناعي "يسمح لك باختصار تجربة 5 سنوات في 30 ثانية بفضل هندسة النصوص المُدخلة".
ويضيف أن الذكاء الاصطناعي "لا يعوض التجربة، لكنه يوفر مساعدة كبيرة كتلك التي توفرها الموسوعة الجيدة أو الحاسبة، عندما تستعين بها في إنجاز المهام التي لا يمكنك إنجازها دون هذه الأدوات".
فما الذي ينصح به سايمون هيتون الشركات التي تكتشف استخدام تكنولوجيا الظل حولها؟
يخاطب هيتون تلك الشركات قائلاً: "لستم وحدكم! أعتقد أن الجميع يفعل ذلك. حافظوا على هدوئكم، وافهموا ما الذي يستعمله الناس ولماذا يستعملونه، وتقبلوه واضبطوه بدلاً من أن تأمروا بمنعه. فأنتم لا ترغبون في التخلف عن الركب بعدم تبني الذكاء الاصطناعي".
وتوفر شركة تريمبل برمجيات وأجهزة لضبط البيانات في البيئة المبنية. وفي سبيل مساعدة موظفيها في استعمال الذكاء الاصطناعي بطريقة سليمة، أنشأت الشركة "مساعد تريمبل"، وهي أداة ذكاء اصطناعي داخلية، مبنية على نماذج الذكاء الاصطناعي المستعملة في "تشات جي بي تي".
ويستشير الموظفون "مساعد تريمبل" في تطوير المنتجات وخدمة الزبائن ودراسة الأسواق. أما مطورو البرمجيات، فإن الشركة توفر لهم "غيت هاب كوبايلوت".
وتقول مديرة الذكاء الاصطناعي في تريمبل، كارولينا تورتيلا: "أشجع الجميع على البحث، وتجربة جميع أنواع الأدوات في حياتهم الخاصة. لكن علينا أن نعترف بأن الحياة العملية فضاء مختلف. وهناك بعض الحدود والاعتبارات التي ينبغي الانتباه إليها".
وتشجع الشركة الموظفين على تجربة أنواع جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في الإنترنت.
وتضيف تورتيلا: "هذه مهارات علينا جميعاً أن ننميها، لكن علينا أن نعرف ما هي البيانات الحساسة؛ فهناك فضاءات لا يمكنك أن تضع فيها معلوماتك الطبية، وعليك أن تفكر بالطريقة نفسها بالنسبة لبيانات العمل".
وتعتقد كارولينا تورتيلا أن تجربة الموظفين في استعمال الذكاء الاصطناعي في المنزل وفي مشاريعهم الخاصة يمكنها أن تشكل سياسة الشركة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.
"لابد من حوار متواصل بشأن الأدوات الأنفع لنا".