آخر الأخبار

من الملاعب الأوروبية إلى المغرب.. رحلة الانتماء العكسية في كأس أمم أفريقيا

شارك

لطالما كانت أوروبا الحلم النهائي للاعبي كرة القدم الأفارقة الطامحين؛ الهجرة شمالا كانت الطريق الأقصر نحو الشهرة والاعتراف والثراء، لكن كأس أمم أفريقيا 2025، التي يستضيفها المغرب في واحدة من أكثر النسخ تنظيما وطموحا في تاريخ المسابقة، تكشف بوضوح أن مسار الهجرة الكروية لم يعد أحادي الاتجاه، فثمة عودة رمزية وواقعية إلى الجذور، وإعادة تعريف لمعنى النجاح والانتماء في كرة القدم الأفريقية.

من الملاعب الأوروبية إلى المغرب

تأتي هذه النسخة في سياق قاري ودولي بالغ التعقيد؛ توترات جيوسياسية وضغوط اقتصادية ونقاشات حادة حول الهجرة والهوية، وتزايد الإحساس لدى فئات واسعة من الشباب الأفريقي بأن الهجرة باتت قدرا لا خيارا، وسط هذا المناخ، تتحول كأس أمم أفريقيا من مجرد بطولة رياضية إلى مساحة رمزية تطرح فيها أسئلة الانتماء والفرص والعدالة ومكانة أفريقيا في النظام الكروي العالمي.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 كوت ديفوار ضد الكاميرون بكأس أفريقيا.. الموعد والتشكيلتان والقنوات الناقلة
* list 2 of 2 السودان ضد منتخب غينيا الاستوائية بكأس أفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة end of list

منذ انطلاقها عام 1957، حملت البطولة مشروعا وحدويا واضحا، رافق موجة استقلال الدول الأفريقية وسعيها لبناء رموز سيادية خاصة بها، ومع تعاظم الاحتراف وتدويل كرة القدم، أصبحت البطولة مرآة لتحولات أعمق، لعل أبرزها الهجرة الكروية المكثفة نحو أوروبا، وتشير التقديرات إلى أن آلاف اللاعبين الأفارقة يغادرون القارة سنويا في سن مبكرة، كثير منهم بدافع الحلم، وبعضهم يقع ضحية شبكات وساطة غير قانونية، لينتهي بهم المطاف في الهامش الرياضي والاجتماعي.

أبناء الشتات في كأس أفريقيا

لكن كأس أمم أفريقيا 2025 تؤكد أن هذا الواقع لم يعد يختزل في صورة النزوح الدائم، فعدد معتبر من لاعبي المنتخبات المشاركة من أبناء الشتات، ولدوا أو تكونوا كرويا خارج بلدانهم الأصلية، لكنهم اختاروا تمثيل جذورهم الأفريقية، هذا الحضور لم يعد استثنائيا، بل أصبح عنصرا بنيويا في تركيبة المنتخبات، خصوصا لدى دول شمال وغرب القارة، حيث الروابط التاريخية مع أوروبا لا تزال تلعب دورا حاسما.

إعلان

اللافت في النسخة الجديدة هو أن هذا الرجوع لم يعد يقرأ فقط باعتباره خيارا اضطراريا لتفادي المنافسة الشرسة داخل المنتخبات الأوروبية، بل قرارا واعيا تحكمه اعتبارات الهوية والمشروع الرياضي، كثير من اللاعبين باتوا يرون في المنتخبات الأفريقية فضاء تنافسيا حقيقيا، وبطولة ذات قيمة تسويقية ورياضية متصاعدة، خصوصا مع تحسن التنظيم، وتنامي العائدات، وتزايد الاهتمام الإعلامي العالمي.

مصدر الصورة منتخب المغرب (رويترز)

التجربة المغربية الناجحة

المغرب، بوصفه البلد المضيف، يمثل النموذج الأوضح لهذا التحول. فاستثماراته طويلة الأمد في البنية التحتية، والتكوين، والحوكمة الرياضية، جعلت المنتخب الوطني وجهة طبيعية لأفضل اللاعبين المغاربة، سواء أكانوا مولودين داخل البلاد أو في أوروبا. التجربة المغربية، التي توجت بإنجاز غير مسبوق تمثل في بلوغ المربع الذهبي في مونديال قطر 2022، عززت القناعة بأن الجمع بين التكوين الأوروبي والهوية الوطنية الأفريقية ليس تناقضا، بل مصدر قوة.

الأمر ذاته ينسحب، بدرجات متفاوتة، على منتخبات أخرى مثل السنغال ونيجيريا والجزائر وغانا ومالي وبوركينا فاسو، حيث أصبح لاعب الشتات عنصرا مكملا، لا بديلا عن اللاعب المحلي، ورغم الانتقادات التي لا تزال تثار حول تهميش الدوريات الوطنية أو التشكيك في وطنية بعض اللاعبين، فإن الواقع الميداني يبين أن هذا التداخل بين الداخل والخارج هو ما يرفع السقف التنافسي للمنتخبات الأفريقية.

مصدر الصورة لاعبو نيجيريا يحتفلون بالفوز على تونس (أسوشيتد برس)

كأس أفريقيا والهجرة داخل أفريقيا

في المقابل، تكشف البطولة أيضا عن بروز مسارات هجرة داخل أفريقيا، حيث تلعب دوريات مثل جنوب أفريقيا ومصر والمغرب وتونس دورا متزايدا في استقطاب المواهب من دول مجاورة، وتوفير فضاء احترافي بديل أو مرحلي قبل أوروبا، هذا التحول يضفي بعدا جديدا على مفهوم الهجرة، ويبرز أن تطوير البطولات المحلية يمكن أن يكون جزءا من الحل، لا مجرد محطة عبور.

بالنسبة للأجيال الشابة، تقدم كأس أمم أفريقيا 2025 رسالة مختلفة، فالنجاح لم يعد مشروطا بالقطيعة مع القارة، والتمثيل القاري لم يعد خيارا ثانويا. رؤية نجوم كبار يعودون للدفاع عن ألوان بلدانهم، في بطولة تحظى بزخم جماهيري وتنظيمي غير مسبوق، يعيد رسم الخيال الجماعي حول المستقبل الممكن داخل القارة السمراء.

صحيح أن فجوة الثروة مع أوروبا لا تزال قائمة، وأن الهجرة ستبقى جزءا من المعادلة الكروية الأفريقية، لكن النسخة المغربية من كأس أمم أفريقيا تؤكد أن العودة إلى الديار لم تعد نهاية الرحلة، بل قد تكون ذروتها. وفي هذا المعنى، تتحول البطولة من مرآة للهجرة إلى أداة لإعادة التوازن بينها، ومن مساحة للهروب إلى فضاء لإعادة الاكتشاف.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا