عادة ما يكون الصحفي مشغولا في الفترات الأولى من تقلد أي مسؤول لمنصبه، باستشراف رؤيته لمعالجة تحديات الحاضر، وخططه المستقبلية التي يسعى من خلالها لترك بصمة تشير إلى إنجازات تحققت إبان توليه المسؤولية.
ولكن مع الطبيبة السعودية حنان بلخي المدير الإقليمي الجديد لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية يبدو الوضع مختلفا، فقبل استشراف رؤيتها الفنية في القضايا الصحية التي تهم الإقليم، سيكون من الصعب تجاهل أنها أول سيدة تتقلد هذا المنصب الرفيع، وهو ما يفرض العديد من التساؤلات عن تمكين المرأة في مجال العلوم والصحة.
وخلال مقابلة خاصة مع "الجزيرة نت" بعد مرور 100 يوم على تقلدها المنصب، كان هذا الجانب الاجتماعي حاضرا، إلى جانب السياق الزمني لتقلدها هذه المسؤولية، وما يفرضه هذا السياق من تحديات كبيرة تتعلق بالتعامل مع طارئة صحية غير مسبوقة في قطاع غزة، وأنظمة صحية تسعى للتعافي من تبعات جائحة "كوفيد 19"، وتحذيرات دائمة من وباء قادم سُمي "الوباء إكس".
وتحدثت الدكتورة بلخي باستفاضة عن كل هذه القضايا، كما تحدثت أيضا عن طموحاتها وخططها المستقبلية.. وإلى نص الحوار.
أنا أعتبر انتخابي وتقلُّدي منصب المدير الإقليمي شرفا كبيرا لي، وهو خطوة جيدة في طريق ترقِّي السيدات وحصولهن على ما هن أهلٌ له في مجال الصحة والعلوم، بعد أن أثبتن نبوغا وتميزا على الصعيد الوطني في معظم بلدان الإقليم إن لم يكن كلها، وخارجه كذلك. ولكن هذا لا يعني بأي حال أن مسألة عدم المساواة في هذا المجال انتهت، فهناك العشرات بل المئات اللاتي يحق لهن الحصول على فرص متساوية في قيادة العمل الصحي والعلمي، دون أن تقف اعتبارات النوع وغيره حائلا وعائقا، وآمُل أن يأتي قريبا اليومُ الذي تستفيد فيه الدول والمجتمعات من الطاقات الخلّاقة للمرأة في كل المجالات بعد أن فُتحت لها مجالات التعليم والتدريب والعمل والإنتاج.
أقول بكل صدق: إن دعم المملكة لي لم يبدأ من الترشح لهذا المنصب، بل كان تتويجا لدعمها المستمر ولما تبذله من جهود، لم تكن لي وحدي، بل شملت المرأة السعودية جميعا في كل المجالات. لقد آمَنت المملكة بأهمية تعليم الفتيات، وفتحت لهن المجال، وأنشأت الكليات والجامعات، وأرسلتهن للدراسة في الخارج للوصول إلى أعلى مستويات التعليم، فكان لكل ذلك نتائج رائعة وثمار طيبة.
كما ذكرتُ سابقًا، تبدأ أُولَى الخطوات من التوسع في تعليم المرأة، وفتْح آفاق أرحب لالتحاقها بالمجالات التي كانت حكرا على الرجل فقط، ثم مساعدتها على تخطِّي العقبات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تُحجِّم دورها، ثم منْحها الفرص المختلفة للتدريب والتطور والترقي، وتوسيع قاعدة التحاق النساء والفتيات بالعمل في الهيئات العلمية والمنظمات الصحية. كل ذلك من شأنه أن يُعظِّم فُرَص المرأة في تقلُّد المناصب القيادية، واسمح لي أن أقول إن الكثير من هذه الأمور أراها تحدث الآن، ولكن بنِسَب ومستويات متفاوتة.
طموحاتي لهذا الإقليم وسكانه لا حدود لها، لكنها تتمحور حول هدف رئيسي ألا وهو تمكين كل فرد في الإقليم من التمتع بأفضل مستوى صحي يمكن بلوغه. وهو كما ترون هدف طَموح يتطلب تخطيطًا علميًّا وعملًا دَؤوبًا وتضامنًا وشراكةً من جميع المعنيين.
وفي اعتقادي أن نقطة البداية لتحقيق هذا الهدف هي الربط بين الصحة واقتصاد البلدان، بمعنى وجود نسبة وتناسب بين الموازنة العامة للدولة وموازنة القطاع الصحي فيها، فزيادة الإنفاق الصحي هو أفضل استثمار يمكن لدولنا القيام به، وقد أثبتت التجارب والخبرات والدراسات العلمية أن عائدات الاستثمار في القطاع الصحي عالية المردود وتتجاوز القطاع الصحي لتشمل كافة المجالات.
ويرتبط بهذه النقطة دمج القطاع الخاص مع القطاع العام في العمل الصحي في إطار التخطيط العلمي، وبناء الشراكات، وإرساء القواعد المنظمة، وبناء القدرات، ووضع جدول أعمال مشترك، بما يضمن تحويل القطاع الصحي لقطاع منتج قادر على تدبير موارده وتحقيق الربح، وفي الوقت نفسه يضمن أفضل مستوى من الخدمات الصحية للسكان.
هناك ثلاث أولويات أو مبادرات رئيسية كنتُ قد أعلنتها ضمن برنامجي الانتخابي، وازددتُ يقينًا بحتمية العمل من أجل تحقيقها بعد مُضيِّ أول 100 يوم من ولايتي، والتي أمضيتُ جانبًا كبيرًا منها في زيارات على أرض الواقع لتسعة بلدان من إجمالي 22 من بلدان ومناطق الإقليم تشهد أوضاعًا ذات خصوصية واضحة.
وهذه المبادرات الرئيسية الثلاث هي:
أود أن أوضح أن تفعيل المبادرات الثلاث ونجاحها يستلزمان مشاركة فعالة من الدول الأعضاء ووجود شراكات قوية لدعمها. وقد اغتنمنا مناسبة انعقاد الدورة الأخيرة لجمعية الصحة العامة الشهر الماضي وعقدنا اجتماعاً للشركاء الدوليين والإقليميين، استعرضنا فيه المبادرات الثلاث وسبل المضي قدماً لتفعيلها على أرض الواقع.
ونحن مدركون للتحديات التي يمر بها إقليمنا وعلى رأسها الأعداد الهائلة للنازحين جراء الصراعات والطوارئ الصحية، فضلاً عن الحاجة الماسة لتطوير القدرات الابتكارية في التعامل مع المشكلات طويلة الأمد والملحة على السواء، والتي تؤثر سلباً على فرص تحقيق الأهداف الصحية العالمية، لذلك نضع في اعتبارنا تحقيق الاستفادة القصوى من مكاتبنا القُطرية في الإقليم والبالغ عددها 21 مكتباً قُطرياً، لتعزيز الشراكات وتطوير القدرة على الصمود في التعامل مع الأوضاع الجيوسياسية التي يمر بها الكثير من بلدان الإقليم، وصولاً إلى هدفنا الطموح وتعزيز فرص النجاح لهذه المبادرات.
مما يُؤسَف له أن المرأة هي الأكثر استهدافًا وعرضةً للخطر في الظروف الاستثنائية من صراعات وحروب وكوارث طبيعية وسائر أشكال الطوارئ، وحتى في الظروف العادية تشير المعطيات إلى أن النساء هن الأكثر فقرًا في المجتمعات الفقيرة، والأقل فرصًا للحصول على الخدمات الصحية، والأشد تأثرًا بالمحدِّدات الاجتماعية للصحة. فنحن لدينا برامج لتعزيز صحة المرأة والفتاة، مثل البرامج المعنية بالصحة الإنجابية وصحة الأمهات والمراهقات، ولدينا كذلك مبادرات تركز ع ....