آخر الأخبار

استراتيجية الهروب إلى الأمام: المقامرة بالهوية الوطنية بحثًا عن اعتراف دولي

شارك


هذا التوجه لا يمكن وصفه بأنه مجرد براغماتية سياسية، بل هو تجاوز واضح لحدود المقبول ويمثل صدمة قومية حقيقية. فالمجلس الانتقالي يبدو وكأنه قرر التخلي عن الثوابت العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، مقابل السعي للحصول على اعتراف دولي ضعيف وغير مضمون، من كيان يعاني أصلًا من أزمة شرعية أخلاقية وقانونية على المستوى الدولي.

ـ الارتهان للخارج تحت شعار البراغماتية:
فتح قنوات تواصل مع إسرائيل، كما أكدته مصادر عبرية وسعودية، يعكس حالة من اليأس السياسي لدى المجلس الانتقالي، بعد فشل مشروعه في كسب قبول إقليمي أو دولي واسع لفكرة تقسيم اليمن.
الرسالة الضمنية هنا واضحة ومحرجة: المجلس لم يتمكن من الحصول على شرعية حقيقية من الداخل اليمني، ولا من محيطه العربي، فاختار البحث عنها لدى طرف أجنبي غريب عن المنطقة.
هذا السلوك لا يمكن اعتباره دبلوماسية ذكية، بل هو ارتهان كامل للخارج. فهو يضع مستقبل جنوب اليمن تحت نفوذ قوى احتلال، ويحوّل فكرة “الاستقلال” إلى مجرد استبدال نفوذ بآخر، مع التضحية بالسيادة لصالح أجندات لا تخدم الجنوبيين ولا اليمنيين، بل تخدم مصالح إسرائيل، خصوصًا في ما يتعلق بتأمين الممرات الملاحية.

ـ الجنوب كساحة نفوذ إقليمي ودولي:
الحديث الإسرائيلي عن الربط بين سيطرة المجلس الانتقالي على مناطق مثل حضرموت والمهرة، وبين ترتيبات محتملة مع إسرائيل، يثير مخاوف جدية تتعلق بالأمن القومي العربي.
محاولة تحويل الموانئ والممرات البحرية في بحر العرب وخليج عدن إلى نقاط نفوذ غير مباشرة لإسرائيل تعني أن المجلس الانتقالي يتحول من فاعل سياسي إلى أداة تنفيذ لأجندة تهدف إلى تطويق الجزيرة العربية.
هذه التحركات ليست مجرد تكتيك سياسي، بل استغلال مباشر للفوضى والتوترات لتمكين قوة أجنبية من التغلغل في منطقة حساسة. وهذا يقوّض تمامًا ادعاءات المجلس بالدفاع عن حقوق الجنوبيين، ويكشفه كطرف يشرعن الوجود الأجنبي مقابل وعود سياسية هشة لا ضمان لها.

ـ السقوط الأخلاقي في توقيت قاتل:
خطورة هذه التسريبات تتضاعف بسبب توقيتها، إذ تأتي في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة. في هذا السياق، فإن سعي المجلس الانتقالي للتقرب من إسرائيل يمثل سقطة قومية وأخلاقية كبرى.
المقامرة بالهوية العربية مقابل اعتراف رمزي هي انتحار سياسي على المدى البعيد. فإسرائيل لا تمنح اعترافًا مجانيًا، بل تستخدم الحركات الانفصالية كأدوات لإضعاف الدول، ثم تتخلى عنها عند أول منعطف، تاركة خلفها صراعات داخلية وفوضى مستدامة.

ـ الخلاصة:
تحركات المجلس الانتقالي الأخيرة، ورغبته في أن يصبح نسخة جديدة من “أرض الصومال” في سجل الاعتراف الإسرائيلي، تكشف مشروعًا يفتقر إلى العمق الاستراتيجي والالتزام بالثوابت الوطنية والقومية.
لقد اختار المجلس البحث عن شرعية خارجية مشروطة وخطيرة، وضحّى بالشرعية الوطنية والتاريخية، وحوّل قضية الجنوبيين من مطالب حقوقية عادلة إلى ملف قابل للتلاعب في أيدي أجهزة استخبارات دولية.
الارتهان لوعود تل أبيب لن يبني دولة، بل سيزرع صراعات طويلة الأمد، ويحوّل الجنوب إلى ساحة متقدمة لحماية مصالح الآخرين، على حساب دماء اليمنيين وأرضهم وسيادتهم.

- عرب جورنال



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا