اعتمد بيان الحوثي بشكل واضح على نزع الشرعية الكاملة عن إسرائيل، ليس فقط في هذه الخطوة المحددة، بل في وجودها السياسي والقانوني أصلاً. هذا النزع للشرعية يُستخدم كأداة خطابية مركزية، بحيث يصبح أي تحرك إسرائيلي، دبلوماسياً كان أم أمنياً، عدواناً باطلاً لا قيمة له في ميزان الحق والقانون. وبهذا، لا يترك الخطاب مساحة للنقاش القانوني أو السياسي التقليدي، بل ينقل المسألة إلى مستوى أخلاقي عقائدي حاسم.
في الوقت نفسه، يوسّع الحوثي دائرة التهديد المتصوَّر عبر ربط إقليم أرض الصومال بأمن البحر الأحمر وخليج عدن واليمن والقرن الإفريقي عموماً. وهو ربط يعكس إدراكاً لأهمية الموقع الجغرافي في الصراع الإقليمي والدولي، ويهدف إلى تصوير أي حضور إسرائيلي محتمل في المنطقة على أنه تهديد استراتيجي مباشر للملاحة والأمن الإقليمي، وليس مجرد علاقة ثنائية مع كيان محتل غير معترف به دولياً. هنا يتحول الصومال من دولة تعاني انقسامات داخلية إلى حلقة مركزية في معادلة الأمن الإقليمي.
كما أبرز قائد أنصار الله في بيانه- بوضوح- فكرة التفكيك باعتبارها جوهر المشروع الإسرائيلي في المنطقة. فالقضية، بحسب البيان، لا تقتصر على الصومال، بل تمتد إلى دول أخرى يمكن أن تتعرض لسيناريوهات مشابهة. هذا الطرح يعكس رؤية ترى في الأزمات الداخلية للدول العربية والإفريقية مدخلاً لتدخلات خارجية، ويحمّل جزءاً من المسؤولية لقوى محلية يُشار إليها بوصفها "خائنة" أو "متواطئة"، ما يربط العامل الخارجي بالانقسامات الداخلية في تفسير ما يجري.
وحرص الحوثي على توجيه رسالة سياسية مزدوجة: الأولى إلى العالم العربي والإسلامي، مطالباً بموقف "حازم وجاد" يتجاوز بيانات الإدانة إلى خطوات عملية ودبلوماسية، والثانية إلى الخصوم، عبر إعلان استعداد صنعاء للتعامل مع أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال باعتباره تهديداً مباشراً. هذه الرسالة الثانية تحمل طابع الردع، وتؤكد أن صنعاء أصبحت فاعلاً إقليمياً لا يقتصر دورها على الساحة اليمنية.
واختتم الحوثي بيانه بربط عضوي بين ما يجري في الصومال والقضية الفلسطينية، معتبراً أن أي تهاون في نصرة الفلسطينيين يفتح المجال أمام إسرائيل لتوسيع نفوذها ومشاريعها في بقية المنطقة. هذا الربط يعكس محاولة لتوحيد مختلف ساحات الصراع تحت قضية مركزية واحدة، وتكريس فلسطين بوصفها معياراً لقياس المواقف والاصطفافات. وبذلك، يمكن قراءة البيان كجزء من خطاب سياسي يسعى إلى إعادة تعريف الصراعات الإقليمية بوصفها حلقات في مواجهة واحدة ممتدة، تتداخل فيها الجغرافيا بالدين، والسياسة بالهوية.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية