هذا القرار، الذي جاء متزامناً مع تصعيد عسكري وسياسي مستمر لقوات الانتقالي في محافظتي وادي حضرموت والمهرة ورفضها الانسحاب، يعكس محاولة واضحة لإضفاء شرعية دينية على تحركات المجلس وتأطير أهدافه الانفصالية في قالب عقائدي غير قابل للتفاوض.
إن تعيين نائب وزير الأوقاف والإرشاد، أنور العمري، رئيساً لهذه اللجنة، إلى جانب ضم مسؤولين حكوميين وشخصيات دعوية محسوبة بشكل مباشر على المجلس، يثير تحفظات جدية حول هدف هذه الهيئة.
فبدلاً من أن تكون منصة دينية مستقلة لخدمة المجتمع والإفتاء الشرعي، تحولت إلى أداة سياسية مصممة لخدمة الأجندة العسكرية والسياسية للمجلس.
ويرى المراقبون أن هذه الخطوة تهدف أساساً إلى خلق "مشروعية بديلة" أو "شرعية مضاعفة" لمشروع الانفصال الذي يواجه تحديات سياسية وإقليمية جمة. عبر تحويل الخلاف السياسي حول مستقبل الجنوب إلى إطار ديني-عقائدي، يصبح الصراع أكثر تأصيلاً وأصعب احتواءً أو تسوية، حيث يتحول المعارض السياسي من مجرد "خصم" إلى "مخالف شرعي" أو حتى "مرتد"، وفقاً للتصعيد اللغوي والديني المحتمل.
تزامن تشكيل الهيئة مع سجال محتدم على منصات التواصل الاجتماعي بين رجال دين محسوبين على الانتقالي ووجوه دينية مستقلة يعزز من هذا التحليل.
هذا السجال لم يقتصر على المباحثات الفقهية، بل تجاوزها إلى إصدار فتاوى تكفيرية صريحة ضد خصوم المجلس، وهو تطور خطير يهدد السلم الاجتماعي.
من جهة المجلس، يجري تأكيد الرواية بأن "الدفاع عن الجنوب" هو "واجب ديني"، وأن من يُقتل في هذا المسعى يُعتبر "شهيداً" بالمعنى الشرعي المطلق. هذه اللغة تهدف إلى تعبئة القواعد الشعبية بعمق، وتقديم التضحية العسكرية كفعل عبادي، مما يخلق جيشاً عقائدياً يصعب هزيمته سياسياً أو عسكرياً عبر الحلول الوسط. هذه الدينية العسكرية تعطي للمجلس نفوذاً موازياً للحكومة المعترف بها، وتكرس وجوده كقوة لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية.
ويُحذر الخبراء والمهتمون من أن دمج الدين بهذه الطريقة الفجة في الأجندة السياسية والعسكرية للمجلس الانتقالي يُعقد بشكل كبير فرص التوصل إلى تسوية سلمية شاملة.
إن تسييس الفتوى وتوجيهها لخدمة أهداف الانفصال يهدد بتحويل الصراع من خلاف على السلطة والثروة والجغرافيا إلى "صراع مؤدلج" يحمل طابعاً وجودياً.
مثل هذا الصراع يصعب حله عبر المفاوضات التقليدية أو تقاسم السلطة، حيث تتضاءل مساحة التنازل السياسي أمام "الواجب الشرعي".
هذه الخطوة تمهد، بوضوح، لصراع مستقبلي يحمل طابعاً طائفياً أو مناطقياً مؤدلج، مما يزيد من التوتر في المشهد الاجتماعي والسياسي الهش في المحافظات الجنوبية، ويهدد بعواقب وخيمة على وحدة النسيج المجتمعي واستقراره في المنطقة بأسرها.
- نقلا عن عرب جورنال :
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية