هذا الحراك، الذي يأتي تحت شعار الجاهزية المفتوحة و"وفاءً لدماء الشهداء"، يعكس محاولة القيادة في صنعاء لاستثمار الزخم الإقليمي الحالي المرتبط بأحداث غزة لتعزيز قوة الجبهة الداخلية، وترسيخ شرعيتها القائمة على التفويض الديني والقبلي لمواجهة ما تسميه "المشروع الأمريكي و«الصهيوني»".
التحليل العميق لهذه التحركات يشير إلى أبعاد ثلاثة رئيسية: التعزيز الداخلي للشرعية، التهديد الاستراتيجي الإقليمي، والتوظيف العاطفي للقضية الفلسطينية.
أولاً: التعزيز الداخلي للشرعية والتفويض المفتوح:
تعتبر الوقفات المسلحة في صعدة، التي قادها وجهاء القبائل والسلطة المحلية، دليلاً على نجاح صنعاء في إعادة تنشيط المؤسسة القبلية وجعلها جزءاً لا يتجزأ من القرار السياسي والعسكري. إعلان "التفويض الكامل لقائد الثورة، السيد عبدالملك الحوثي، في اتخاذ ما يلزم" ليس مجرد عبارة خطابية، بل هو إجراء شكلي وعملي يمنح القيادة حرية حركة مطلقة في اتخاذ قرارات حاسمة، بما في ذلك التوسع في نطاق المواجهة أو الدخول في مفاوضات بشروط قوية، مع ضمان الدعم اللوجستي والبشري غير المحدود.
تأكيد المحافظ على "الدورات العسكرية المفتوحة للتأهيل والتدريب" يشير إلى أن التعبئة ليست ظرفية، بل هي تغيير هيكلي مستمر يهدف إلى إدماج المزيد من الشباب في مؤسسات القوة، مما يضمن تدفقاً مستداماً للمقاتلين وتعزيزاً لتماسك الجبهة الداخلية لمواجهة أي ضغوط مستقبلية.
ثانياً: التحذير الاستراتيجي والربط بين الجبهات:
يحمل "بيان النكف القبلي" رسائل تحذيرية مباشرة ومبطنة موجهة إلى التحالف السعودي الإماراتي. الربط بين "العبث بوحدة اليمن" و"خدمة المشروع الأمريكي و«الصهيوني» في المحافظات المحتلة" يخدم هدفاً استراتيجياً مزدوجاً: تأمين وحدة الصف الشمالي من خلال توحيد العدو تحت مظلة "المشروع الصهيوني"، وتوجيه تحذير مباشر بأن أي محاولات للتوغل في الجنوب والشرق بهدف "إعادة توزيع النفوذ" سيتم التعامل معها كتهديد وجودي لوحدة اليمن.
هذا الخطاب يضع التحالف في موقف حرج، حيث يجد نفسه متهماً بخدمة أجندات إسرائيلية أمريكية، مما يقلل من شرعية أي تحرك عسكري له ويصعّب من موقفه على الساحة الدولية والإقليمية. كما أن الإشارة إلى "الاستعداد لجولة المواجهة المقبلة" تعني أن صنعاء تضع نفسها في موقع الهجوم المضاد أو المواجهة الاستباقية، وليس مجرد الدفاع.
ثالثا: ترسيخ المبادئ.. فلسطين كـقضية مركزية:
إن ترسيخ مساندة الشعب الفلسطيني كـ ثابت تاريخي لا يقبل المساومة يمثل موقفاً عقائدياً ومبدئياً راسخاً في خطاب صنعاء، وفي الوقت ذاته، يمثل هذا الموقف عاملاً حاسماً في تفعيل التعبئة العامة. فالربط المنهجي لأي مواجهة داخلية أو إقليمية بـ"العدو الأمريكي و«الصهيوني»" يوفر غطاءً أخلاقياً ودينياً واسعاً لمواصلة الحشد الشعبي. هذا الربط يؤدي إلى تحويل المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية و«الإسرائيلية» إلى "موقف عملي وعبادي" في مواجهة "الطغيان والاستكبار"، ويجعل من الوقفات القبلية المسلحة "جزءاً أصيلاً من معركة الوعي والميدان معاً". هذا الالتزام تجاه القضية يضمن استمرار زخم الحشود في صعدة وعمران وذمار، حتى في فترات تراجع حدة التوتر في الجبهات الإقليمية، لأن الدافع لم يعد محلياً أو حدودياً بحتاً، بل أصبح متصلاً مباشرة بـ**"معركة الأمة"** ومبادئها الكبرى.
الخلاصة: إن إعلان "الجهوزية والتفويض المفتوح" من قبائل صعدة، والذي يرافقه حراك مماثل في محافظات شمالية كبرى، يشير إلى أن القيادة في صنعاء تستعد لـمرحلة جديدة من التصعيد، سواء كان ذلك عبر توسيع نطاق العمليات أو عبر توحيد الأوراق التفاوضية الداخلية والخارجية. الرسالة المركزية هي أن الجبهة القبلية موحدة خلف قائدها، ومستعدة لدفع الثمن في سبيل مواجهة أي محاولة لتقسيم اليمن أو الهيمنة عليه، معتمدة في ذلك على تفويض ديني وقبلي غير مسبوق واستثمار عاطفي مستدام للقضية الفلسطينية.
- نقلا عن عرب جورنال
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية