في السودان، يتحدث الناس بمرارة تصل حد الصراخ، من أعطى الإمارات الحق في تحويل الفاشر إلى مسرح تُختبر فيه قوة الميليشيات؟ من سمح لها– كما يقول خصومها– أن تحشر أنفها في جراح دارفور لتُطيل أمد النزف؟ الفاشر، المدينة العريقة، تحوّلت– وفق روايات أهلها– إلى مساحة مفتوحة لتجريب الوكلاء، وتعويم الغرباء، وصناعة رجال لا يعرفهم أحد إلا من أرسلهم. هذه ليست شراكة، وليست دعماً، بل عبثٌ سياسي مغلّف بلغة المصالح.
وفي حضرموت، الغضب أشدّ وضوحاً. فاليمنيون لا يخفون قولهم إن الإمارات تتصرف كما لو أنها صاحبة اليد العليا في بلدٍ نازف، وكأن ثرواته فرص، وموانئه غنائم، وأرضه مجرد حديقة خلفية لمشاريع لا علاقة لها بمستقبل اليمن. فالإمارات تدير المشهد عبر مجموعات صُنعت لتعمل حيثما أرادت أبوظبي، وتنسحب حيثما انتهى الغرض، تاركةً وراءها دولة أضعف وشعباً أكثر قهراً.
يبدو المشهد في حضرموت أكثر فجاجة ووقاحة. فالإمارات لم تعد تُخفي رغبتها في الإمساك بالموانئ والمطارات والحقول النفطية، حتى لو أحرقت اليمن كله من أجل برميل نفط إضافي أو ميناء إضافي. كما لو أن اليمن مزرعة خاصة تُدار من أبوظبي.
يتكشف الدور الإماراتي تباعاً ويصبح أكثر وضوحاً بأنه ليس سوى آلة نفوذ لا تتوقف إلا حين تلتهم كل شيء: القرار السياسي، الممرات البحرية، الموارد، وحتى الجغرافيا نفسها. وكلما اتسعت خطواتها، اتسع معها حجم الدمار. فالميليشيات التي تُغذّى بالمال والسلاح لا تنتج استقراراً، بل تنتج خوفاً ورعباً وفراغاً في السلطة، وهو الفراغ الذي يدخل منه كل من يبحث عن السيطرة.
وبحسب الأصوات الغاضبة في اليمن والسودان، فإن الإمارات لا تكتفي بإضعاف الجهات الرسمية، بل تصنع جهات بديلة، حكومات ظلّ، فصائل مسلّحة، حكومات لا قرار لها ولا دستور، بل ولاءٌ واحد لمن يمولها ويحدد لها متى تقاتل ومتى تصمت. وعندما يُختَطَف القرار من أصحاب الأرض، تُختَطَف معه السيادة، وتتحول البلاد إلى منطقة نفوذ تُدار بقرارات غامضة لا يعرف أهلها عنها شيئاً.
إن استمرار هذا المسار الإماراتي يعني شيئاً واحداً: تدمير البلدان من أجل مصالح لا تمت لشعوبها بصلة. وإن أي دعم خارجي يبني ميليشيات، وينسف الدولة، ويطعن سيادتها، لا يمكن وصفه إلا بأنه مشروع يضع الخراب قبل الإنسان، والثروة قبل العدالة، والنفوذ قبل الحق.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية