ويمثل ذلك تجدداً لافتاً في مستوى التعبئة القبلية والاستنفار المسلح، حيث واصلت القبائل اليمنية حشد صفوفها في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء، مجددةً بذلك تأكيدها على الدعم المطلق والموقف الثابت إلى جانب خيارات الحكومة وقيادتها في مواجهة ما وُصف بـ "التحركات التصعيدية" من قبل التحالف الإقليمي وداعميه الدوليين، كما أن هذا الحراك القبلي الواسع لا يُعد مجرد استعراض للقوة، بل هو تأكيد تاريخي على العمق الاجتماعي الذي تستند إليه صنعاء، ومؤشر على التأكيد الشعبي والقبلي على الوقوف بحزم في مواجهة أي تحركات خارجية معادية، وكذلك التصدي لأي محاولات داخلية لزعزعة الاستقرار، أو العودة إلى الحرب الشاملة.
ويمكن القول إن طبيعة الحشود التي شهدتها عموم المحافظات والمديريات لم تكن عابرة، بل كانت لقاءات وحشوداً قبلية غير مسبوقة، تهدف بالدرجة الأولى إلى توجيه رسائل واضحة ومباشرة، وكانت الرسالة الأهم فيها موجهة بشكل صريح إلى المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، محذرةً إياهم من مغبة أي تصعيد جديد ضد اليمن.
هذا التحذير يعكس قراءة للقيادة في صنعاء ترى أن هناك محاولات خارجية لإعادة ترتيب أوراق الصراع، ربما من خلال الدفع نحو جولة جديدة من القتال أو فرض شروط غير مقبولة في سياق المفاوضات، وبالتالي، يأتي الاستنفار القبلي كورقة ضغط شعبية وعسكرية تستهدف رفع كلفة أي مغامرة عسكرية محتملة على الخصوم، وتأكيداً على أن أي عدوان جديد سيواجه بمقاومة شعبية شاملة تتجاوز أي تحركات من قبل الأطراف المعادية.
ما يُميز هذا الاستنفار الأخير- بحسب مراقبين- هو الامتداد الجغرافي الواسع للقبائل المشاركة، مما يعزز فكرة الإجماع القبلي في عموم المحافظات والمديريات الواقعة في نطاق سيطرة حكومة صنعاء، وهو أمر يحمل دلالات عميقة، يأتي في مقدمتها تحقق مفهوم وحدة الصف، حيث أن هذا الدعم لـ "خيارات صنعاء" ليس محصوراً في مناطق معينة، بل هو قرار اتخذته مجاميع قبلية متنوعة، كما أن هذا الحشد يوفر غطاءً شرعياً وشعبياً قوياً لأي قرار تتخذه صنعاء بشأن السلام أو الحرب، ويُسقط أي ادعاء بأن القرارات تُتخذ بمعزل عن الإرادة الشعبية أو القبلية.
وتعكس حالة الاستنفار هذه سخطا قبليا غير مسبوق ضد النظام السعودي، وغيره من قوى الخارج، وهو أمر ليس وليد اللحظة، بل تراكم لتداعيات سنوات الحرب والحصار، وما خلفته من دمار وأوضاع إنسانية ومعيشية متردية، حيث تتصاعد وتيرة التعبئة القبلية كرد فعل مباشر لتلك الأوضاع، خاصة بعد وصول اليمنيين إلى قناعة بأن التحالف لا يسعى بجدية لسلام دائم وعادل، وأنه يستخدم فترات الهدنة لإعادة التموضع أو الإعداد لخطوات تصعيدية، كما أن الضغوط الاقتصادية والإنسانية مع استمرار الحصار والقيود على حركة الموانئ والمطارات يراكم حالة السخط هذه ضد التحالف بقيادة السعودية.
وترفض القبيلة اليمنية بطبيعتها التهديدات الخارجية الأخيرة، ولذلك فإن الأنباء المتداولة عن تحركات أمريكية صهيونية للدفع نحو "حرب جديدة" تسببت في إثارة حفيظة القبائل التي ترى أن بلادها لا تزال مستهدفة بشكل مباشر من قوى إقليمية ودولية، وخاصة تلك التهديدات التي جاءت على لسان قادة الكيان الإسرائيلي.
ويرى محللون أن النفير القبلي الواسع الذي تنفذه القبائل اليمنية، هو أكثر من مجرد حراك اعتيادي، بل هو آلية دفاع تقليدية مُتجددة، وبيان سياسي مُسلح يُرسل رسالة قوية مفادها أن النسيج الاجتماعي اليمني، المتمثل في قبائله، على استعداد لحماية ما يعتبره سيادته واستقلاله، كما أن هذا الاستنفار يُعزز من الموقف التفاوضي لسلطة صنعاء، ويضع حداً فاصلاً أمام محاولات استغلال فترة الهدوء لفرض الإملاءات.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية