هذا الانهيار ليس مجرد تذبذب دوري في سوق الشحن، بل هو مؤشر صارخ على نجاح وتأثير الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية التي تبنتها القوات اليمنية (في البحرين الأحمر والعربي) بفرض حصار بحري فعال ومستمر على السفن المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، مع إبراز الأهمية الاستراتيجية الحيوية لمضيق باب المندب.
ـ الأرقام تتحدث: عمق الأزمة وتأثير الحصار:
البيانات المالية لشركة "زيم" تعتبر بمثابة "جرس إنذار" اقتصادي للحكومة الإسرائيلية وشركاتها التجارية. إن انخفاض الأرباح بنسبة 89% في ربع واحد فقط يترجم إلى خسائر مالية ضخمة ويشير إلى اضطراب كارثي في سلاسل الإمداد والعمليات التشغيلية للشركة. المدير التنفيذي لـ "زيم" أرجع هذا التراجع بشكل صريح إلى "ظروف جيوسياسية وضغوط خارجية معقدة"، وهو تلطيف واضح لوصف الواقع الفعلي: الحصار البحري اليمني.
كان الاعتماد الرئيسي لشركة "زيم" على ممر قناة السويس وباب المندب لربط التجارة الآسيوية والأوروبية. بعد العمليات اليمنية، اضطرت الشركة إلى تحويل مسار سفنها بشكل كامل حول قارة أفريقيا (طريق رأس الرجاء الصالح)، ما أدى إلى تضخم هائل في التكاليف التشغيلية عبر النقاط التالية:
زيادة المسافة والوقت: إضافة ما يقارب 3500-6000 ميل بحري (حسب وجهة الرحلة)، مما يزيد مدة الرحلة بأكثر من أسبوعين لكل رحلة.
ارتفاع تكاليف الوقود والتأمين: استهلاك كميات إضافية هائلة من الوقود، بالإضافة إلى قفزات غير مسبوقة في أقساط التأمين ضد المخاطر للمرور عبر مناطق بديلة أو للتحوط ضد أي تغييرات مفاجئة.
عرقلة تنافسية: فقدان الشركة لقدرتها على المنافسة السعرية والزمنية أمام شركات الشحن العالمية الأخرى التي لا تواجه هذا الحظر المباشر، ما أدى إلى تحول العملاء إلى ناقلات بديلة.
ـ دور القوات اليمنية: قلب المعادلة الجيواقتصادية:
لقد كشفت التحركات العسكرية للقوات اليمنية عن ثغرة استراتيجية حرجة في النظام التجاري العالمي والإسرائيلي تحديداً، وذلك عبر استغلال السيطرة التكتيكية على مضيق باب المندب ومناطق واسعة من البحر الأحمر وبحر العرب. هذا الدور محوري ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:
الردع الفعال: نجحت العمليات في إثبات قدرة اليمن على فرض إرادتها في واحد من أهم الممرات المائية العالمية. هذا الردع لم يكن نظريًا، بل تحول إلى إجراءات عسكرية عملية استهدفت الملاحة الإسرائيلية تحديداً.
التأثير الاقتصادي المباشر: لم يقتصر الأمر على مجرد التهديد، بل أدى إلى إغلاق عملي للمسار الحيوي أمام سفن "زيم". هذا الإغلاق كان السبب المباشر في دفع تكاليف التحويل وزيادة النفقات، وهو ما ترجمته "زيم" إلى خسائرها البالغة 89%.
إعادة تعريف الأمن البحري: حولت القوات اليمنية منطقة باب المندب من ممر آمن إلى منطقة عالية المخاطر بالنسبة للأهداف الإسرائيلية، ما دفع كبرى شركات الشحن إلى تجنبها أو دفع رسوم تأمين فلكية، وهذا يؤكد على فعالية الاستراتيجية اليمنية في "إدارة الأزمة" وتحويلها إلى أداة ضغط اقتصادية.
ـ السعي للتفاوض: اعتراف ضمني بالهزيمة الاقتصادية:
تصريحات المدير التنفيذي لـ "زيم" حول السعي لإجراء "حوار مع الأطراف الضامنة" وطلب التفاوض للعودة إلى باب المندب هي أكبر اعتراف بمدى تأثير الحصار وبفشل كافة الحلول العسكرية والأمنية التي حاولت إسرائيل وحلفاؤها فرضها أو توفيرها. إن مطالبة شركة شحن عملاقة بالتفاوض لا تتجاوز كونها اعترافاً بـ:
عجز الحل العسكري: تبين أن القوة البحرية والدوريات الدولية لم تستطع تأمين الممر بشكل فعال ومستدام للسفن الإسرائيلية.
الضغط الاقتصادي أصبح لا يطاق: الخسائر المالية وصلت إلى نقطة تهدد استدامة الشركة على المدى الطويل. لا يمكن لشركة أن تستمر بالعمل بشكل طبيعي مع تحمل تكاليف طريق رأس الرجاء الصالح بشكل دائم.
حتمية الاعتراف بالطرف الفاعل: المفاوضات لا تتم إلا مع الطرف القادر على رفع الحصار، وهذا يشير بشكل واضح إلى أن القوات اليمنية هي اللاعب الأساسي الذي يجب التفاهم معه، إما بشكل مباشر أو عبر "أطراف ضامنة".
الهدف المعلن للشركة هو العودة للإبحار عبر باب المندب وقناة السويس وحتى إلى ميناء إيلات. هذا يكشف أن إيلات، الميناء الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، قد تحول إلى ميناء "ميت" تقريباً بسبب انقطاع خط الإمداد الرئيسي عبر المضيق، مما يضاعف من الضرر الاستراتيجي الذي لحق بالاقتصاد الإسرائيلي.
ـ خلاصة والتوقعات:
إن تدهور أرباح "زيم" بنسبة 89% وطلبها للتفاوض يؤكدان أن مضيق باب المندب لم يعد مجرد نقطة جغرافية، بل أصبح نقطة ضغط اقتصادية فعالة بيد القوات اليمنية. التحليل يبرز أن الردع اليمني قد أثمر عن خسائر تاريخية لإحدى أذرع الاقتصاد الإسرائيلي، مما أجبر الشركة على سلوك مسار دبلوماسي-تفاوضي.
كما أن استمرار هذا الحصار يشكل ورقة ضغط قوية جداً على الاقتصاد الإسرائيلي. المسار المستقبلي لـ "زيم" وبقية الشركات الإسرائيلية في هذا المجال سيبقى مرهوناً بنجاح أو فشل المفاوضات الجارية، والتي تدور محاورها بالضرورة حول الشروط التي تضعها القوات اليمنية لرفع الحظر.
- نقلا عن عرب جورنال
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية