لم يكن من السهل على أي جهة إسرائيلية الاعتراف– ولو بصورة غير مباشرة– بوجود نشاط للموساد في منطقة معقدة مثل اليمن. فالإقرار بأن "الرسم التخطيطي الذي نشره الحوثيون لشبكة الجواسيس مقنع ومشابه لعرضنا الاستقصائي"، يحمل بين سطوره تأكيداً على أن ما نشرته صنعاء ليس مجرد دعاية سياسية، بل مبني على معطيات حقيقية ومعلومات دقيقة.
هذه الخطوة تمثل في جوهرها اعترافاً ضمنياً بقدرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية اليمنية على خوض حرب أمنية معقدة مع أطراف تمتلك تكنولوجيا واستخبارات متقدمة، وعلى رأسها الموساد الإسرائيلي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، والمخابرات السعودية.
وفق ما أعلنته صنعاء، فإن الشبكة التجسسية التي تم كشفها كانت تدار من "مركز عمليات مشترك" داخل الأراضي السعودية، بمشاركة ضباط من الموساد والمخابرات الأمريكية والسعودية، وهذا النموذج يعكس نمطاً متكرراً في العمل الاستخباراتي المشترك بين هذه الأطراف في المنطقة.
وتلخصت أهداف هذه الشبكة في ثلاثة محاور رئيسية: جمع المعلومات عن القدرات العسكرية والتقنية التي طورتها صنعاء، خصوصاً في مجالات الصواريخ والطائرات المسيّرة، واختراق البنية الاجتماعية والسياسية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات تخريبية أو اغتيالات نوعية تستهدف قيادات أو منشآت استراتيجية.
أحد الجوانب التي سلط عليها تحقيق الأجهزة الأمنية بصنعاء الضوء– وأكدها الموقع الإسرائيلي– هو استخدام "قصة غطاء" لجاسوس يعمل لصالح منظمة إنسانية أمريكية تنشط في مناطق النزاع.
هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها أجهزة المخابرات الغربية هذا الأسلوب، إذ اعتمدت وكالة الـCIA والموساد تاريخياً على المنظمات غير الحكومية لتغطية أنشطة التجسس أو جمع المعلومات في مناطق النزاع.
اللافت أن الموقع الإسرائيلي لم ينفِ هذه المعلومة، بل أشار إلى أن "هذا الأسلوب شائع في تحقيقات الاستخبارات الإيرانية، والتشابه ليس مصادفة"، في إشارة واضحة إلى أن إسرائيل تستخدم الأساليب نفسها في طهران وفي صنعاء.
الاعتراف الإسرائيلي العلني– ولو عبر موقع استخباراتي– يحمل عدة رسائل، منها: أنه إقرار صريح بوجود عمل استخباراتي مشترك ضد اليمن، وفي الوقت نفسه اعتراف بقدرة صنعاء على كشف شبكة تجسس معقدة يديرها خصوم يمتلكون خبرات وتكنولوجيا متقدمة، كما يعكس أيضاً فشل المخابرات الإسرائيلية – الأمريكية – السعودية، في تحقيق أهدافها داخل اليمن، رغم تفوقها التقني والدعم اللوجستي الهائل الذي تحظى به.
ويرى محللون أن هذا التطور يمثل تحولاً نوعياً في ميزان القوى الاستخباراتي في المنطقة، حيث لم تعد صنعاء مجرد طرف عسكري في مواجهة التحالف، بل أصبحت لاعباً أمنياً قادراً على إدارة معركة العقول والمعلومات.
خلال السنوات الأخيرة، أثبتت الأجهزة الأمنية في صنعاء قدرتها على تفكيك شبكات تجسس وعمليات سرية على مستوى عالٍ من التعقيد، ما يعكس بناء منظومة أمنية واستخباراتية محترفة استطاعت مجاراة الموساد والـCIA في ساحة تعتبر من أكثر البيئات تعقيداً في العالم.
ويشير الاعتراف الإسرائيلي الأخير إلى أن اليمن تحولت من "ساحة مواجهة عسكرية" إلى ميدان مواجهة استخباراتية إقليمية بين محور المقاومة من جهة، ومحور واشنطن – تل أبيب – الرياض من جهة أخرى، ما يعيد رسم معادلات النفوذ والأمن في الشرق الأوسط.
سواء جاء الاعتراف الإسرائيلي بدافع تحليل مهني أو كإقرار غير مباشر بالفشل الميداني، فإن نتيجته واحدة، هي أن صنعاء باتت رقماً صعباً في معادلة الاستخبارات الإقليمية، تمتلك القدرة على كشف وتفكيك شبكات تجسس يديرها أقوى خصومها.
اعتراف موقع "إنتلي تايم" الإسرائيلي لا يمكن قراءته كتصريح إعلامي عابر، بل كإقرار استراتيجي بفشل استخباراتي ثلاثي (إسرائيلي – أمريكي – سعودي) أمام جهاز أمني يمني في ظروف حرب وعدوان مستمر منذ قرابة عقد.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية