ورغم أنه لا يمتلك جيشاً تقليدياً ضخماً ولا دعماً دولياً، فقد نجح في فرض نفسه كصوتٍ مقاوم، مستنداً إلى ما يسميه أنصاره "قوة الحق" في مواجهة "قوة السلاح"، حسب تقرير نشرته وول ستريت جورنال.
منذ توليه قيادة حركة أنصار الله، جعل الحوثي من الاستقلال الوطني ورفض الوصاية والتدخل الأجنبي محور خطابه السياسي والديني، ففي بلدٍ أنهكته التجاذبات الإقليمية لعقود، قدم الحوثي نفسه كقائد لا يخضع للإملاءات ولا يساوم على سيادة بلده.
وبينما تعاقبت المبادرات الدولية والمواجهات العسكرية، ظل ثابتاً على موقفه بأن "المقاومة واجبٌ ديني ووطني"، وهي العبارة التي أصبحت شعاراً للحركة ومصدر تعبئة لأنصارها.
هذا الخطاب وجد صداه في أوساط الشباب اليمني، الذين رأوا في الحركة فرصة لاستعادة الكرامة والمشاركة في مشروع يمنحهم معنى ودوراً في بلدٍ فقد بوصلته منذ سنوات.
فكما نقلت وول ستريت جورنال عن أحد المقاتلين: "أنت تحمل سلاحاً، وتقود، وتتخذ القرارات.. ما الذي يمكن أن يكون أفضل في بلدٍ كاليمن؟".
لم يكتفِ الحوثي بمخاطبة الداخل اليمني، بل وسّع دائرة خطابه لتشمل قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين.
ففي أكثر من خطاب، شدد على أن "صمت الأمة عن إبادة الفلسطينيين يشجع أمريكا وإسرائيل على المزيد من الفظائع"، رابطاً بين معركة اليمن ومعركة غزة في إطار واحد: مقاومة الهيمنة ورفض الظلم.
هذا الموقف أكسبه تعاطفاً عربياً متزايداً، خاصة في وقتٍ تسير بعض الحكومات نحو التطبيع أو تتجنب المواجهة مع إسرائيل.
وبحسب تقارير إعلامية غربية، ارتفعت مؤشرات التأييد الشعبي للفلسطينيين تجاه الحوثيين إلى مستويات غير مسبوقة، في إشارة إلى أن قوة الحوثي لم تعد عسكرية فقط، بل رمزية ومعنوية أيضاً.
بعيداً عن صورته كقائد ميداني، تكشف شهادات من التقى عبد الملك الحوثي عن شخصية مختلفة، فالمبعوث الأممي السابق إلى اليمن، جمال بن عمر، وصفه بأنه "لطيف ومهذب وناضج بالنسبة لعمره"، وهي صفات لا تُرى عادة في قادة الحركات المسلحة.
هذا التوازن بين الحزم واللباقة جعل الحوثي قادراً على إدارة حركته وسط حربٍ معقدة بدون أن يفقد السيطرة أو البوصلة السياسية.
مع مرور الوقت، تحوّل الحوثي من قائدٍ لجماعة محلية إلى رمزٍ للمقاومة العابرة للحدود؛ صوره تُرفع في شوارع إسطنبول وتونس وطهران، واسمه يتردد في تظاهرات غربية داعمة لفلسطين.
في عالمٍ تتغير فيه التحالفات وتُشترى فيه المواقف، استطاع الحوثي أن يقدّم نفسه كنموذجٍ نادر لزعيمٍ يتمسك بمبدأ المقاومة، حتى في أحلك الظروف.
لا يمكن تفسير صمود الحوثي وحركته أمام حملات عسكرية ضخمة بمجرد الدعم الخارجي أو القدرات العسكرية.
الجوهر الحقيقي لقوته يكمن في إيمانه بفكرة الحق: حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق المظلومين في الدفاع عن أنفسهم، وحق اليمنيين في التحرر من الوصاية.
لقد نجح الحوثي في تحويل فكرة المقاومة من شعارٍ سياسي إلى قناعة شعبية يعيشها الملايين من أنصاره كل يوم.
في زمنٍ تتراجع فيه القيم وتبرر فيه المساومات، يبرز عبد الملك الحوثي كأحد الأصوات القليلة التي ما زالت تؤمن بأن الكرامة لا تُشترى، والسيادة لا تُمنح.
قد يختلف كثيرون حول أساليبه أو توجهاته، لكن لا يمكن إنكار أنه أعاد تعريف مفهوم المقاومة في الوعي العربي، وجعل من اليمن- رغم الحرب والفقر- منصةً لصوتٍ يرفض الانحناء.
المصدر:
البوابة الإخبارية اليمنية