آخر الأخبار

هل تحولت الأمم المتحدة إلى مظلة للتجسس ؟  .. قراءة في بيان خارجية صنعاء

شارك

هذا البيان يفتح الباب أمام نقاش واسع حول ما إذا كانت الأمم المتحدة، أو بعض العاملين في وكالاتها، قد تجاوزوا حدود المهام الإنسانية الموكلة إليهم إلى أدوار استخباراتية تمس سيادة الدول وتعرض أمنها القومي للخطر.

قضية "استخدام موظفي الأمم المتحدة لأغراض تجسسية" ليست اتهاماً عابراً، بل سابقة خطيرة تهدد مصداقية المنظمات الدولية برمتها. فبينما يُفترض أن تكون الأمم المتحدة مظلة للعمل الإنساني والوساطة الدبلوماسية، فإن استغلال بعض موظفيها كقنوات استخبارية يُعد خرقاً جسيماً للقانون الدولي، وللمواثيق التي أنشأت هذه المنظمات أصلاً، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة.

بيان خارجية صنعاء حمل في طياته جملة من الرسائل المباشرة وغير المباشرة، حيث اعتبر البيان أن الأمم المتحدة، ممثلة بأمانتها العامة، تسرعت في الدفاع عن موظفيها بدون أن تطّلع على ما تصفه صنعاء بـ"الأدلة القاطعة" لضلوعهم في أنشطة تجسسية أدت لاستهداف قيادات سياسية يمنية، مشدداً على ضرورة التزام الأمم المتحدة وموظفيها بالحياد، والنأي بأنفسهم عن "الأعمال العدائية" التي تُشكّل انتهاكاً لمهامهم، في إشارة إلى أن بعض الوكالات أصبحت- بحسب البيان- أداة لتبرير التجسس.

كما جاء في البيان ما يشبه التهديد الضمني بإعادة النظر في طبيعة العلاقة مع المنظمات الأممية، خصوصاً تلك التي تتجاوز نطاق عملها الإنساني، والتلميح إلى إمكانية اتخاذ خطوات صارمة بحق أي نشاط يُعد تهديداً للأمن القومي.

لا يمكن قراءة بيان صنعاء بمعزل عن السياق السياسي والأمني المعقد في اليمن، حيث تتداخل الجهات الفاعلة على الأرض، وتتصاعد الحساسية تجاه أي تدخل خارجي. لكن من جهة أخرى، لا بد من التوقف عند إمكانية تسييس العمل الإنساني، واختراق بعض المنظمات، أو حتى توظيف بعض العاملين فيها لصالح أجندات استخباراتية.

إن تكرار مثل هذه الاتهامات– في اليمن، وقبلها في دول أخرى مثل السودان وسوريا والعراق– يعزز الشكوك حول احتمال تغلغل الأجهزة الاستخباراتية داخل المنظمات الدولية، مستغلةً الغطاء الإنساني والدبلوماسي الذي يحظى به موظفوها. مثل هذا السلوك يُعد خطراً جسيماً، لأنه يقوض الثقة العالمية في المنظومة الأممية.

من الناحية القانونية، يُعتبر أي نشاط تجسسي يقوم به موظف أممي داخل دولة مضيفة خرقاً فاضحاً للقانون الدولي، وقد يفقد ذلك الموظف امتيازاته وحصانته الدبلوماسية. أما من الناحية الأخلاقية، فإن استخدام المنظمات الإغاثية كغطاء لجمع المعلومات يُعد استغلالاً غير مقبول لمعاناة الشعوب، ويخلق فجوة عميقة بين المواطنين والمنظمات الإنسانية.

ومن أبرز ما جاء في بيان الخارجية هو دعوة الأمم المتحدة إلى تصحيح اختلالاتها الداخلية. هذا المطلب يُظهر عدم الثقة المتزايدة في حيادية المنظمة الأممية، ويعكس شعوراً متزايداً لدى بعض الدول بأنها تُستهدف عبر قنوات "ناعمة" كالعمل الإنساني، فيما تُستباح سيادتها بدون رادع.

ما تطرحه صنعاء ليس مجرد اعتراض على بيان أممي، بل اتهام جوهري يلامس جوهر دور الأمم المتحدة ووظائفها. فإذا ما أصبحت بعض وكالاتها أداة للتجسس، فإن ذلك يضرب جوهر الثقة العالمية بها، ويفتح الباب أمام مزيد من الدول لمساءلتها أو حتى طرد بعض بعثاتها كما حدث في حالات أخرى.

لذلك، فإن المطلوب اليوم ليس فقط توضيحاً من الأمم المتحدة حول هذه القضية، بل مراجعة جذرية لبنيتها الرقابية والوظيفية، وتأكيد التزامها الصارم بالحياد، حتى لا يتحول العمل الإنساني إلى بوابة خلفية للصراعات الأمنية والاستخباراتية.

بينما يظل بيان خارجية صنعاء وثيقة سياسية بامتياز، فإن طبيعة الاتهامات الخطيرة تقتضي تحقيقاً دولياً شفافاً، لضمان ألا يتم استخدام هذه القضايا لأغراض سياسية، وفي الوقت نفسه، لمنع استغلال العمل الإنساني في أعمال تمس سيادة الدول وأمن شعوبها.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا