آخر الأخبار

من الشعارات إلى الإسناد الفعلي.. اليمن يغيّر معادلة الصراع مع إسرائيل

شارك

ما يميز الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية هو أنه لا ينطلق من حسابات سياسية ضيقة أو رغبة في تسجيل موقف عابر، بل ينبع من رؤية قرآنية شاملة تعتبر الصراع مع "إسرائيل" صراعاً وجودياً بين مشروع استكباري عالمي ومشروع تحرري إيماني. هذه الرؤية أسست لخطاب يربط بين الهيمنة الأمريكية والصهيونية، ويعري العلاقة العضوية بين الطرفين في استهداف الأمة الإسلامية وتمزيق نسيجها من الداخل.

من هذا المنطلق، فإن تبني اليمن للقضية الفلسطينية لم يكن قراراً سياسياً آنياً، بل التزام عقدي وواجب ديني، يتجاوز كل الاعتبارات الحزبية والطائفية والمناطقية. ولذلك، كانت اليمن الوحيدة التي أعلنت، بوضوح وجرأة، وقوفها إلى جانب غزة في كل جولات العدوان، بل وأكدت استعدادها الكامل لمساندة الشعب الفلسطيني عسكرياً وسياسياً وإعلامياً.

في حرب غزة الأخيرة، تجاوز الموقف اليمني نطاق التضامن اللفظي إلى الفعل العسكري المباشر، عبر استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن والبحر العربي. هذه العمليات شكلت سابقة تاريخية، إذ لم تجرؤ أي دولة عربية، منذ عقود، على اتخاذ موقف مماثل يُربك الحسابات الاقتصادية والعسكرية للاحتلال، ويضعه في حالة من التوجس والترقب الدائم.

لم تكن هذه العمليات مجرد استعراض للقوة، بل كانت رسالة استراتيجية مفادها أن اليمن الجديد لن يقف مكتوف اليدين إزاء ما يحدث في غزة، وأنه مستعد لتحمل التبعات مهما كانت الكلفة. وبالفعل، دخلت اليمن تحت طائلة الاستهداف الأمريكي-الغربي، الذي شن عشرات الغارات على صنعاء وصعدة والحديدة ومناطق أخرى، في محاولة لثني اليمنيين عن مواصلة دعمهم للمقاومة.

ساهمت العمليات اليمنية في البحر الأحمر وباب المندب في فرض حصار غير مباشر على الاحتلال الإسرائيلي، عبر تعطيل خطوط التجارة العالمية التي تمر عبر موانئه، وتكبيد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة. هذا الحراك الجريء أسهم في إدخال "إسرائيل" في عزلة دولية متزايدة، ولفت أنظار العالم إلى أن هناك قوى حرة في المنطقة مستعدة للدفاع عن المظلومين في فلسطين.

ومع الوقت، بدأت تتشكل معادلة ردع جديدة، لم تعد فيها "إسرائيل" قادرة على شن الحروب بدون أن تتلقى ارتدادات حقيقية على مستويات مختلفة، من أمنها البحري والتجاري، إلى شبكة علاقاتها الدولية. ولم يكن هذا ليتحقق لولا الموقف اليمني النوعي، الذي أربك حسابات التحالف الصهيوني-الغربي، وفتح أفقاً جديداً أمام محور المقاومة.

إلى جانب العمليات العسكرية، كان للموقف اليمني أثر بالغ في تصحيح البوصلة الإعلامية، التي كانت– لسنوات– رهينة التوجيه الأمريكي والصهيوني. الإعلام اليمني المقاوم، المنبثق من مشروع واعٍ، أعاد تسليط الضوء على جوهر الصراع مع "إسرائيل"، وفضح تورط أنظمة عربية في مسارات التطبيع، وتقديم خدمات مجانية للعدو على حساب القضية الفلسطينية.

يمكن القول إن الموقف اليمني كان له عدد من النتائج التاريخية المهمة، منها: كسر هيبة العدو الصهيوني، من خلال عمليات نوعية أربكت "إسرائيل" في البحر، وأدخلت الكيان في دوامة من القلق والضغط الاقتصادي.

كما نتج عن الموقف اليمني إعادة تفعيل مفهوم الأمة: حيث أعاد طرح القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة، وليس مجرد "شأن فلسطيني داخلي"، كما حاول أن يصورها الإعلام الغربي والعربي المتواطئ، بالإضافة إلى أنه فضح المواقف الزائفة، حيث كشفت الحرب الأخيرة مدى زيف مواقف بعض الأنظمة والأحزاب، التي امتنعت عن دعم غزة، أو حتى اتخذت موقفاً معادياً لخط المقاومة، تحت ذرائع مذهبية أو سياسية، كما ساهمت مواقف اليمن في تحفيز الشعوب للتحرك والضغط على حكوماتها، ومقاطعة الشركات الداعمة لـ"إسرائيل"، ومناهضة التطبيع.

في ظل حالة التواطؤ العربي، والانكفاء الإقليمي، صعد نجم اليمن كمركز مقاومة صادق، يربط القول بالفعل، ويخوض معركة الكرامة بلا مواربة. لقد قدّمت صنعاء نموذجاً حياً لبلدٍ فقير ومحاصر، لكنه غني بالإيمان، ثابت على الموقف، لا يساوم في القضايا الكبرى، ولا يتردد في خوض معركة الحق مهما بلغ حجم التحديات.

وإذا كانت بعض العواصم قد باعت فلسطين بثمنٍ بخس، فإن اليمن– من عمق المعاناة والحصار– بعث برسالة إلى الأحرار في العالم: أن صوت الحق لا يمكن خنقه، وأن تحرير فلسطين لم يعد مجرد حلم، بل هدفٌ يتحقق كل يوم، في البحر والبر، والكلمة الصادقة، والموقف الشجاع.


الأكثر تداولا دونالد ترامب حماس اسرائيل

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا