آخر الأخبار

ثورة ١٤ أكتوبر.. تتويج لنضالات الشعب اليمني شمالا وجنوبا حتى الاستقلال 

شارك


لم تكن ثورة 14 أكتوبر المجيدة التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان، وليدة يومها أو أنها كانت حدثا طارئاً، بل كانت امتداداً للعمل النضالي في اليمن على صعيده العام، كما أوضحناه سابقا، فقد كانت هذه الثورة إيذانا بدخول المرحلة الحاسمة من الكفاح لتحرير جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني الذي جثم على جزء غال من جغرافية الوطن اليمني الواحد، وعمل على تشطير اليمن، من خلال فرض سيطرته على جنوب البلاد عبر القوة العسكرية والاحتلال المباشر أو عبر قوى عميلة له داخل الوطن، تلك الحدود المصطنعة، وإن كانت قد أثرت بصورة أو بأخرى على وحدة الأرض اليمنية، إلا أنها لم تكن لتؤثر في وجدان الشعب اليمني، فهو الشعب الواحد الموحد في قلوب أبنائه، الذين ظلت تجمعهم وحدة الدم والأرض والقضية.

واحدية الثورة اليمنية
لقد مثل نضال الشعب اليمني للتحرر من الاحتلال البريطاني البغيض سلسة من الأحداث النضالية متصلة الحلقات، أفضت في مجملها إلى اندلاع ثورة الـ14 من أكتوبر 1963، تلك الثورة التي مثلت الرديف لثور ة الـ 26 من سبتمبر 1962، ومن هنا فلم يكن الحديث عن واحدية الثورة اليمنية مجرد حديث يقال في مرحلة ما، بل إن المتتبع لحركة النضال الوطني في الشمال والجنوب، يخلص إلى حقيقة مؤداها أن الثورة اليمنية في شطري اليمن، كانت هي الحدث المشترك والهم الواحد والقضية الموحدة، فلم يكن أبناء جنوب اليمن ، فقد مثل ذلك المشترك في حياة الشعب اليمني في الشطرين، عود الثقاب الذي " أذكى جذوة مقاومة الاحتلال وإسقاط النظام المتخلف الكهنوتي في الشمال على قاعدة نمو الطبقة العاملة والبرجوازية الصغيرة بثوريتها المتميزة لمرحلة الخمسينات والستينات المستندة إلى شعار وقاعدة النضال الوطني والتحرر من ربقة الاستبداد والاحتلال الأجنبي، وكانت المسألة المطروحة هي ضرورة تحرير الجنوب بقوة السلاح، ولكن كان من المهم أولا إسقاط النظام الاستبدادي في الشمال لتوفير قاعدة انطلاق لأي عمل مسلح في الجنوب، فتفجرت ثورة 26 سبتمبر 62 في الشمال لتعلن قيام أول جمهورية في شبه الجزيرة العربية، فاتحة بذلك عهدا جديدا للشعب اليمني كله في الشطرين معا، وبعد عام واحد تفجرت ثورة 14 أكتوبر 1963، بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل".
لقد كان شعب الجنوب، وبالأخص قادة العمل النضالي الثوري ضد الاحتلال، مدركين أهمية تحرر الشمال، ومدى ما سيوفره من قاعدة للانطلاق في مواجهة المحتل، فمنذ مراحل متقدمة "سادت العلاقات القائمة على أرضية النضال الوطني- التحرري عموم اليمن بشطريه، الجنوبي والشمالي، ففي الشمال عاشت ونشطت شخصيات سياسية يمنية جنوبية مثل عبدالله باذيب، وعبدالله الخامري، وكانت العلاقات بين المنظمات السياسية التقدمية في كلا الشطرين وثيقة ومتينة، وبرزت هذه العلاقات بشكل باد للعيان خاصة بعد ثورة 26 سبتمبر، واستقبلت القوى التقدمية في الجنوب في الجنوب هذه الثورة كانطلاقة لتحرير الشعب اليمني بكامله، ومنذ الأيام الأولى لثورة سبتمبر هب لنجدتها آلاف المتطوعين من أبناء الجنوب، عمالا وفلاحين وطلاباً، فأصدرت السلطات البريطانية القرارات والقوانين التي تقضي برمي الأشخاص المتعاونين مع الجمهورية العربية اليمنية في السجون، لكن وبرغم تلك الإجراءات التعسفية القاسية إلا أن القوى التقدمية الوطنية واصلت دعمها للجمهورية الفتية، لتقف على قدميها، أمام ضغط الملكيين والمرتزقة المأجورين من قبل المملكة العربية السعودية، وكذلك عناصر المرتزقة من الجنوب اليمني والمرسلين من قبل السلطات الاستعمارية".

الانتفاضات القبيلة
إن حقيقة ضرورة تحرر الشمال اليمني من أجل اندلاع ثورة الجنوب ضد المستعمر البريطاني في طريق تحرير كامل الأرض اليمنية، لا يعني بأي حال من الأحوال أن ثورة 14 أكتوبر كانت هي فاتحة النضال الوطني في الجنوب ضد بريطانيا، بل إن الشعب اليمني في الجنوب قام بالعديد من الحركات والانتفاضات في وجه المستعمر، كان اندلاع الثورة والكفاح المسلح هو الصورة الأكثر وضوحا والتتويج الناضج لتلك الحركات والانتفاضات التحررية، والتي إذا ما حاولنا إيراد بعض منها من باب الاستشهاد، فسنجد أن تلك

الحركات والانتقاضات امتدت منذ بداية عقد الخمسينات بل من الأربعينات، وامتدت حتى تفجرت ثورة الرابع عشر من أكتوبر والتي استمرت حتى نال الجنوب استقلاله ورحل آخر جندي بريطاني عن أرض الوطن في الـ30 من نوفمبر 1963م، ومن أهم تلك الانتفاضات: في حضرموت في الأعوام 51، و52، و55، و57، وفي يافع في العام58، وفي 1959م وكذلك في العام 1962، وفي بيحان في 1948، والعام 1957، وفي الشعيب والضالع، في الأعوام 1947، و48، و1957، وفي الفضلي حيث شهدت انتفاضات عدة في الأعوام 1945، و1945، 1947، 1956، و 1957، وكذلك في دثينة عام 1958، وفي الحواشب عام 1950. غير أن جميع تلك الانتفاضات لم تكن سوى انتفاضات قبلية معزولة وعفوية تفتقر إلى الوحدة التنظيمية والقيادة الثورية الموحدة.
على أننا لا نغفل هنا ما شهدته مدينة عدن من انتفاضات من قبل السكان والعمال والطلاب وغيرهم من الشرائح الاجتماعية، ومن بين هذه الانتفاضات تجدر الإشارة إلى انتفاضات عمال عدن في العام 1956، والعام 1962م، وانتفاضات طلاب عدن في عام 1946، 1962م، وانتفاضات العمال الزراعيين في لحج في العام 1946وفي حضرموت في العام 1953، إلا أن هذه الانتفاضات والحركات التحررية، كما أسلفنا، كانت تفتقد القيادة والتوجيه الموحد، اللازم لتوحيد العمل النضالي وبلورة رؤية موحدة نحو التحرر، "حيث أنه لم يكن قد وجد بعد التنظيم السياسي القادر على قيادة حركة مختلف فئات السكان وإكسابها طابعا هادفا وموجها، فقد استطاع المستعمرون وبسهولة التنكيل بأفراد تلك الانتفاضات الثورية".

الجانب السياسي
لم يكن الجانب السياسي غائبا في نضال الشعب اليمني في الجنوب ضد الاحتلال البريطاني، فقد قام أول تنظيم سياسي يمني جنوبي في العام 1948، وهو ما عرف بـ"الحزب القعيطي الوطني" في حضرموت غير أنه لم يستمر إلا عاما واحدا، وفي العام 1949، أنشئت الجمعية الإسلامية، في عدن، وتقريبا في نفس الفترة ظهرة جمعية الإصلاح العربي ، وفي العام 1950، تأسس في لحج نادي الشعب، تلا ذلك في مطلع الخمسينات نشاط لجنة وحدة حضرموت وجمعية الأخوة والتعاضد، غير أن هذه المنظمات لم تترك أي تأثير محسوس على نمو وتطور حركة المعارضة في الجنوب، ورفعت هذه المنظمات في الأساس مطالب مرتبطة بالمسائل الدينية والثقافية والإدارة الذاتية. وإلى حد ما لعب الدور في تاريخ النضال في الجنوب اليمني ما عرف بالجمعية العدنية، التي أسست في نهاية الأربعينات ورفعت شعار "عدن للعدنيين"، واستهدفت في نضالها منح عدن نظام الحكم الذاتي.


وفي العام 1951م، أنشئت رابطة أبناء الجنوب العربي، والتي لم يقتصر نشاطها على عدن فحسب، وتشكلت القاعدة الاجتماعية لها من البرجوازية الريفية الناشئة ومن المثقفين، وقد اعتبرت هذه المنظمة عدن جزءا لا يتجزأ من الجنوب اليمني، وطالبت بالإدارة الذاتية للمحميات الشرقية والغربية، وقد أوقفت نشاطها فيما بعد، وفي العام 1955 تأسست في عدن الجبهة الوطنية المتحدة، التي دخل في عضويتها جميع الأحزاب السياسية التي قاطعت انتخابات المجلس التشريعي لعدن، ودعت الجبهة الوطنية إلى إجراء انتخابات عامة وإلى إقامة دولة واحدة في الجنوب وسحب القوات الإنجليزية، وأيضا تحقيق الوحدة مع اليمن الشمالي بعد القضاء على سلطة الأئمة هناك.
لقد وجد في هذه الفترة في عدن عدد من المنظمات السياسية ذات التوجه المحافظ كالحزب الوطني الاتحادي ومؤتمر الشعب الدستوري والحزب الوطني، إلا أنا لم تلعب ذلك الدور المؤثر في تصور الحركة التحررية وعكست في الأساس مصالح الشرائح البرجوازية البسيطة، حتى جاءت نهاية الخمسينات وتأسس في عدن فرع حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان حتى مطلع الستينات على تعاون مع مؤتمر نقابات عمال عدن، وفرعة السياسي حزب الشعب الاشتراكي.
ومع نهاية الخمسينات وبداية الستينات، ظهرت فروع في اليمن الجنوبي والشمالي لحركة القوميين العرب التي لعب دورا مهما في التحضير للانتفاضة الثورية في الجنوب اليمني، وفي العام 1961م وتحديدا في 22 أكتوبر أقر الميثاق الوطني للاتحاد الشعبي الديمقراطي، وهو الحزب الذي أسسه المناضل عبدالله با ذيب، وقد جاء في هذا الميثاق أن هدف هذا التنظيم هو النضال ضد الاستعمار والرجعية ، ومن أجل التحرر الوطني وتحقيق الوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية.

دور الطبقة العاملة
لم تكن النقابات العمالية بمعزل عن العمل الوطني التحرري، حيث أسهمت في ذلك إسهاما فاعلا ولعب دورا مهما في تحضير وتهيئة وعي الطبقة العاملة باتجاه الثورة، وقد كانت عدن هي المركز للنشاط النقابي الجنوبي، حيث يتمركز القطاع الأساسي للعمال، حيث أبرزت إحصائيات إنجليزية أن عدد العمال بلغ حتى العام 1960م،500,50 عامل، في الوقت الذي بلغ عدد سكان المدينة 200 ألف نسمة، وقد كان إضراب مارس 1956 واحدا من أكبر تلك الإضرابات، والذي دعمه حتى الطلاب، وقد الإنجليز استخدموا السلاح ضد المضربين، ما أدى إلى قيام مظاهرات جماهيرية واسعة، شملت كل الجنوب اليمني، ويعود

لهذا الإضراب الفضل في إنشاء مؤتمر نقابات عد، والذي أنشيء مباشرة عقب الإضراب الذي كان بمثابة وضع بداية لتنظيم الطبقة العاملة في نقابات، وأقام هذا المؤتمر علاقات وثيقة مع الاتحاد الدولي للنقابات الحرة، ومع حزب العمال الإنجليزي، ومع البعثيين ومنذ هذه الفترة دخلت الطبقة العاملة مسرح النضال الوطني السياسي، الأمر الذي طعم هذا النضال بقوي جديدة.

اتفاق صنعاء وتأسيس الجبهة القومية لتحرير الجنوب
في 24 فبراير 1963 عقد في دار السعادة بصنعاء مؤتمر “القوى الوطنية اليمنية” حضره أكثر من 1000 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة من فرع حركة القوميين العرب. وقد توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة. وجرى في المؤتمر استحداث مكتب تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله، وذلك على هيئة نداء إلى جميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة، وتحرير الجنوب اليمني من الاحتلال الأجنبي، حيث استقر الرأي على تسمية هذه الجبهة باسم “جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل” أخذت في أغسطس من نفس العام تسميتها النهائية “الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل” على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوباً وحيداً وفعالاً لطرد المستعمر، وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية من الشخصيات والقيادات المشاركة فيه كان على رأسها قحطان محمد الشعبي، وبعد اجتماعات عدة عقدتها اللجنة التحضيرية، أقرت في 8 مارس 1963 نص الميثاق القومي الذي كان يتألف من مذكرة والميثاق نفسه، وبرز في صدر الميثاق شعار الجبهة “من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية”. وفي مايو 1964 نشرت الوثيقة الموضحة للخط السياسي لهذا التنظيم.
وقد دخل ضمن الجبهة عند تأسيسها عدد من المنظمات الوطنية، منها: حركة القوميين العرب، وجبهة الناصريين، والتنظيم السري للضباط الأحرار والجنود، وجبهة قبائل يافع، والتنظيم الثوري لتحرير الجنوب اليمني، والجبهة الوطنية، واجتذبت الجبهة القومية إلى صفوفها الطلاب والمثقفين الثوريين والعمال.

اندلاع الثورة
عاد الثوار المناضلون من أبناء الجنوب، بعد أن شاركوا في الكفاح إلى جانب إخوانهم من أبناء الشمال في ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢، حيث ناضل المئات منهم عاما كاملا دفاعا عن ثورة سبتمبر المجيدة، فووجهوا بأوامر إنجليزية تقضي بتسليم أسلحتهم فأبدوا رفضهم لهذه الأوامر ليفجروا ثورة الجنوب ضد المستعمر من جبال ردفان في الرابع عشر من أكتوبر المجيد، إلا أن تلك الحادثة كما يراها المناضل عبدالله باذيب لم تكن إلا مبررا للانتفاضة، أما الأسباب الحقيقية فتكمن في الطغيان الاستعماري والسلاطيني ، وقد شكلت تلك الاصطدامات المسلحة التي حدثت، بين القوات الإنجليزية والقبائل العائدة من شمال الوطن، بداية للنضال المسلح، من أجل تحرير الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني، وكان على رأس هذه القبائل الشيخ راجح بن غالب لبوزة، ، الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة، وأخذت هذه الشرارة التي أشعلت الثورة المباركة تتقد لتغدو جذوة نضال ترسل حممها على أوسع مدى.
وقد شنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة “الأرض المحروقة”، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللا إنسانية.
"تعاملت الإدارة الاستعمارية البريطانية مع الثورة على أنها مجرد تمرد قبلي سرعان ما سوف يقمع، كبقية الانتفاضات القبلية العفوية السابقة، لكنها جوبهت بمقاومة ضارية من قبل الجماهير الشعبية بقيادة الجبهة القومية التي عملت على فتح المزيد من جبهات القتال، وبذلك تشتت القوات البريطانية على مختلف تلك الجبهات، التي وصلت في نهاية عام 1965، إلى 12 جبهة قتال، تغطي معظم المنطقة، وبالرغم من أن بعض هذه الجبهات لم تكن في المستوى المطلوب، إلا أنه كان هناك توجهات لتقوية وشد أوضاعها" الأمر الذي مكن لهذه الجبهات الصمود والمقاومة حتى تحقق هدفها الأساس وهو نيل الجنوب اليمني استقلاله وحريته، والذي تحقق بعد أربعة أعوام من النضال المستمر على كافة الصعد، وفي كل أرجاء الوطن، وتوج برحيل آخر جندي بريطاني من أرض الوطن في الـ 30 من نوفمبر من العام 1967م.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا