آخر الأخبار

قبل وبعد مساندتها لغزة.. حكومة صنعاء في قلب القرار والشرعية خارج المعادلة

شارك

خلال العامين الماضيين أظهرت قوات صنعاء تطوراً نوعياً في الأداء العسكري والقدرة على التأقلم التنظيمي. فمنذ دخولها على خط المواجهة عبر استهداف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ بعيدة المدى باتجاه إسرائيل، استطاعت قوات صنعاء الحفاظ على وتيرة ضغط متصاعدة بدون الوقوع في فخ الاستنزاف المباشر، مستفيدةً من عوامل مثل المسافة الجغرافية، وتشظي الجبهات الإقليمية، وضعف ردود الفعل العربية.

ورغم تعرضها لهجمات أمريكية مباشرة ومحاولات إسرائيلية لاستهداف قياداتها، نجحت صنعاء في الحفاظ على بنيتها الأساسية، ما يشير إلى بنية تنظيمية مرنة ومترابطة. النموذج الذي بني عليه التنظيم وصف بأنه "شبكة من الشبكات"، حيث تتداخل العلاقات القبلية والأمنية والدينية والتجارية في منظومة يصعب كسرها بضربات تقليدية، وهو ما يفسر محدودية أثر الهجمات الجوية التي طالت بعض مواقع الجماعة، حسب ما ذكره تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.

وأضاف الموقع أنه على الصعيد الخطابي، حقق الحوثيون نصراً سردياً داخلياً وخارجياً. تدخلهم في الصراع الإقليمي، ضمن إطار "نصرة غزة"، منحهم غطاءً أخلاقياً ورمزياً في ظل غياب موقف عربي موحد، وجعل من الصعب مهاجمتهم علناً من قبل بعض القوى الإقليمية. هذا الصعود في المخيلة الشعبية ترافق مع توسع فعلي في القاعدة البشرية، حيث ارتفع عدد المقاتلين بشكل ملحوظ، ما يدل على حالة من "التلاحم حول راية المقاومة" داخل مناطق سيطرتهم، حتى في ظل التدهور الاقتصادي.

في مقابل هذا التصاعد الحوثي، تكشف المعطيات عن تراجع حاد في وزن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والمتمركزة في عدن. بحسب التحليلات التي وردت في تقرير الموقع البريطاني، فإن هذه الحكومة أصبحت، من الناحية العملية، كياناً منقسماً ومهمشاً، بالرغم من الاعتراف الدولي الذي لا يزال يمنحها صفة "الشرعية". لكن هذا الاعتراف لم يترجم إلى نفوذ فعلي، بل بقي حبيس البيانات الدبلوماسية، في وقت باتت حكومة صنعاء الطرف الذي يجري التفاوض معه مباشرة من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين.

تعاني حكومة عدن من اختلالات بنيوية واضحة؛ فهي لا تملك السيطرة الكاملة حتى على المناطق التي من المفترض أنها خاضعة لها. وتتفاقم الأزمة بفعل الصراعات الداخلية بين مكوناتها، خاصة بين المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يتبنى مشروع انفصال الجنوب بدعم إماراتي. هذه الانقسامات لا تعرقل فقط الأداء السياسي، بل تهدد بتفكك الجبهة المناهضة لصنعاء من الداخل، مما يضعف موقف الحكومة أمام المجتمع الدولي ويجعلها غير قادرة على تمثيل الكتلة اليمنية المعارضة لحكومة صنعاء بفعالية.

اليوم، تسيطر حكومة صنعاء على المناطق الأكثر كثافة سكانية في الشمال، بما في ذلك العاصمة، وتتحكم بمفاصل القرار المحلي. في المقابل، تتجه الأنظار إليها باعتبارها الطرف القادر على حفظ الأمن في مناطقها، والتفاوض بشأن الملاحة الدولية، بل وتحديد شروط التهدئة في قضايا تمس الأمن الإقليمي، كما في غزة، وفق ما قاله تقرير موقع ميدل إيست آي البريطاني.

العديد من الدول، وفي مقدمتها السعودية، بدأت بالتعامل مع حكومة صنعاء بشكل مباشر، بعد حرب دامت لثماني سنوات. هذا التغير في الموقف السعودي– الذي انتقل من المواجهة إلى الحوار– يؤكد أن صنعاء باتت طرفاً لا يمكن تجاوزه، وهو ما يفاقم من عزلة حكومة عدن ويعزز الاتجاه نحو واقع سياسي جديد تتحول فيه "الشرعية" من حكومة معترف بها دولياً إلى سلطة تحتاج أن تفرض نفسها واقعياً على الأرض.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا