وفيما يتكتم الجانب الإسرائيلي عن الطائرة المسيرة التي ضربت هدفا في منطقة ديمونة عالية الحساسية ، وصفت صحيفة جيروزاليم بوست هجمات الأمس بأنه "إحدى الضربات اليمنية الخطيرة"، حيث يأتي الهجوم، في سياق تصاعد المواجهة بين قوات صنعاء التي تؤكد أن عملياتها إسنادا للمقاومة الفلسطينية وانتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبين الكيان الإسرائيلي المعتدي على القطاع مرتكبا مجازر يومية منذ قرابة عامين، وحصارا خانقا عل أكثر من مليوني فليسطيني.
وجاءت الصدمة الإسرائيلية بفعل نجاح غالبية تلك الطائرات المسيرة التي استخدمت في العملية في الوصول إلى أهدافها، دون أن تكتشفها المنظومات الاعتراضية والرادارات، بحسب ما أكدنه وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلا عن مسؤولين في الكيان، والذين أكدوا أن تلك الطائرات استخدمت تكتيكات معقدة للتشتيت والمباغتة، وهو ما يشير إلى أن العملية لم تكن عادية، بل تعد مؤشرا على تحول استراتيجي في قدرات القوة العسكرية التابعة لصنعاء، والتي باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا ومباشرًا للأمن القومي الإسرائيلي.
تكتيكات متطورة ومباغتة
وتشير تصريحات لمسؤولين في حكومة الكيان الإسرائيلي، نقلتها صحيفة جيروزاليم بوست، إلى أن الهجوم على مطار رامون لم يكن تقليديًا. مؤكدة أن الهجوم "نُفذ باستخدام تكتيكات معقدة للتشتيت والمفاجأة"، وأن سلاح الجو الإسرائيلي لم يوضح حتى الآن "كيف أصابت الطائرة اليمنية مطار رامون". هذا الاعتراف الرسمي يلقي الضوء على حقيقة جديدة، هي أن قوات صنعاء باتت قادرة على تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتقدمة، والتي طالما اعتبرت غير قابلة للاختراق، وهذه القدرة على التكيف والمباغتة، كما لاحظت الصحيفة، تشير إلى أن إسرائيل قد تكون عرضة "لحوادث مشابهة في المستقبل بشكل خطير".
وفي المقابل تؤكد التصريحات أن الهجمات الإسرائيلية في اليمن "باهظة التكاليف لكنها أيضا لا تحقق نتائج"، مما يؤكد أن الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية لم تنجح في إضعاف القدرات اليمنية، بل على العكس، أظهرت قوات صنعاء قدرة عالية على الصمود والرد، وهو ما يضع إسرائيل في موقف استنزاف مستمر. ففي الوقت الذي تدفع فيه تل أبيب ثمنًا باهظًا لعملياتها، يجد "ملايين الإسرائيليين أنفسهم في الملاجئ بمعدل مرة واحدة في الأسبوع"، تذكيرًا بفشل إسرائيل في تأمين مواطنيها.
فشل استراتيجي واستنزاف مستمر
وكما يعترف العدو الإسرائيلي بفشله في التعامل مع هجمات قوات صنعاء سواء بالصواريخ الباليستية المتطورة أو بالطائرات المسيرة، مرة تلو الأخرى، هذه المرة يؤكد موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي، أن الهجوم على مطار رامون، والذي أصابت فيه طائرة مسيّرة يمنية "قاعة المسافرين"، يمثل دليلًا دامغًا على الفشل الإسرائيلي في ردع قوات صنعاء. ويضيف الموقع: "لا يزال اليمنيون ينجحون في تعطيل اقتصاد إسرائيل بشكل كبير، حتى بعد مرور عامين". هذا التعطيل لا يقتصر على الهجمات الجوية فقط، بل يشمل الحصار البحري الذي أدى إلى "تعطيل ميناء إيلات" بالكامل، مما يضع إسرائيل تحت ضغط اقتصادي وأمني غير مسبوق.
ولا يقتصر التهديد الذي تشكله قوات صنعاء على الهجمات الجوية فقط، فإلى جانب الضربات الصاروخية والجوية، تواجه إسرائيل ضغطاً اقتصادياً متزايداً بسبب الحظر المفروض على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، والذي تفرضه قوات صنعاء. هذا الحظر، إلى جانب الهجمات المحتملة على الأراضي الإسرائيلية، يمثل استنزافًا مستمرًا لموارد إسرائيل، حيث أنه يتعذر بل ويبدو مستحيلا استئناف الملاحة البحرية المحظورة على الكيان، كما أن حماية المواقع الحيوية، يتطلب إنفاقًا عسكريًا ضخمًا، بينما تسبب التهديدات المتكررة في شل الحركة التجارية ورفع التكاليف الاقتصادية، مما يضع إسرائيل في وضع لا تحسد عليه.
قدرة عالية على الصمود واستمرار المواجهة
وتكشف التصريحات الإسرائيلية التي أوردتها وسائل إعلام الكيان عن حقيقة استراتيجية بالغة الأهمية هي أن "قدرة اليمنيين على الصمود عالية جدًا". مستشهدة بـ "فشل التحالف بقيادة السعودية والإمارات في إخضاعهم رغم عملية عسكرية ضخمة استمرت لعشر سنوات، مما يثبت أن محاولات الردع الإسرائيلية، بما في ذلك "استهداف مواقع استراتيجية أو اغتيال القيادة العليا"، لن تؤدي إلا إلى العكس من المتوقع.
هذا الصمود، إلى جانب التكتيكات المعقدة التي استخدمتها قوات صنعاء في الهجوم الأخير والذي أصابت إحدى المسيرات المستخدمة فيه مطار رامون، والتي وصفتها جيروزاليم بوست بأنها "معقدة للتشتيت والمفاجأة"، تؤكد على أن القوة العسكرية التابعة لصنعاء لم تعد مجرد خصم تقليدي، بل باتت قادرة على تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية
المتقدمة وتهديد عمقها الاستراتيجي، مما يشكك في تفوق إسرائيل العسكري الذي طالما اعتمدت عليه.
تآكل الثقة في التفوق العسكري للكيان
ولعل أحد أهم ما كشفته صحيفة جيروزاليم بوست هو تآكل الثقة في التفوق العسكري الإسرائيلي، فقد أقر المسؤولون الإسرائيليون- بحسب الصحيفة- بـ"انخفاض كبير في بنية الدفاعات الجوية الإسرائيلية" بعد مواجهات سابقة. هذا الاعتراف يمثل نقطة ضعف كبيرة، ويشير إلى أن إسرائيل قد تكون غير مستعدة لمواجهة التهديدات المتزايدة والمتطورة.
واعتمدت إسرائيل تاريخيا على تفوقها الجوي والاستخباري لردع أعدائها. ولكن الهجمات التي تستهدف عمقها، مثل هذا الهجوم الأخير، تشير إلى أن هذه المعادلة قد تغيرت. فالقوات التابعة لصنعاء أثبتت قدرتها على كسر الحصار العسكري والوصول إلى أهداف حيوية، مما يشكك في قدرة إسرائيل على حماية نفسها من هجمات مستقبلية. هذا الواقع الجديد يثير تساؤلات جدية حول جدوى الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية القائمة على القوة المفرطة.
وقف العدوان كخيار وحيد
في ضوء هذا الواقع، يرى محللون أن الخيار العسكري لم يعد كافيًا لإسرائيل للخروج من المأزق الحالي. فالضربات المتكررة والاستنزاف المستمر يثبتان أن إسرائيل قد لا تتمكن من "كسب المواجهة" مع قوات صنعاء عسكريًا. لذلك، فإن البحث عن مخرج سلمي أصبح ضرورة ملحة، مضيفين أن الحل الوحيد المتاح أمام الكيان يكمن في وقف العدوان على غزة، والسعي نحو حل سياسي شامل في المنطقة حاليا، وأنه إذا لم تدرك تل أبيب هذه الحقيقة، فإنها قد تواجه المزيد من المفاجآت الصعبة التي قد تكون لها عواقب وخيمة.