أشارت تقارير وسائل إعلام عبرية كـ"جيروزاليم بوست" و"يديعوت أحرونوت" إلى أن استخدام صاروخ مزود بذخائر متشظية (عنقودية) يضع الحوثيين في خانة جديدة من التهديدات التي يصعب على منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي التصدي لها، وعلى رأسها "حيتس" و"مقلاع داود"، فهذه المنظومات صممت لاعتراض الصواريخ ذات الرؤوس الحربية الأحادية، وليس تلك التي تتفكك إلى عشرات أو مئات الذخائر الصغيرة في الجو، ما يجعل من اعتراضها تحدياً عملياً وتكتيكياً.
وبحسب التقارير، فإن الانفجار المتشظي على ارتفاعات متوسطة يعقّد عمليات الإنذار والاستجابة ويخلق تهديداً مستداماً، ليس فقط لحظة الهجوم، بل أيضاً على المدى الطويل بسبب بقاء ذخائر غير منفجرة تعرقل الاستجابة الطارئة.
ما لا يمكن تجاهله هو التوقيت والدلالة السياسية لهذا الهجوم. فمع دخول العدوان الإسرائيلي على غزة شهره الحادي عشر، واستمرار المجازر الممنهجة واستهداف المدنيين والبنية التحتية، اختارت قوات صنعاء- رغم بعدها الجغرافي- أن تضع كامل ثقلها العسكري في مواجهة إسرائيل، كإسناد مباشر لغزة، هذا الموقف يتجاوز البعد الأخلاقي أو التضامني، ليتحوّل إلى فعل استراتيجي يتحدى الهيمنة الإقليمية ويكرّس معادلة "وحدة الجبهات".
ففي وقت تعاني غزة من عزلة عربية ودولية، تتحرك صنعاء، بمقدراتها المتواضعة نسبياً، لتوجه ضربة ذات رمزية عسكرية ونفسية عميقة، تُربك حسابات تل أبيب.
ردّ إسرائيل بقصف ما وصفته بـ"البنية التحتية المدنية" في صنعاء، كما أشارت الصحف العبرية، لا يبدو قادراً على لجم قدرات القوات اليمنية، ولا على ثنيها عن مواصلة إطلاق الصواريخ الباليستية والمسيّرات تجاه العمق الإسرائيلي، بل إن هذه الضربات قد تزيد من إصرار قوات صنعاء على تعميق تدخلها وتكثيف عملياتها، مستفيدة من زخم الحرب النفسية وفعالية سلاح الردع المعنوي الذي تحققه في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
الهجوم اليمني الأخير كشف عن ثغرات في البنية العقائدية والتقنية للدفاع الإسرائيلي، فالفشل في اعتراض الرأس الحربي قبل انشطاره يفتح أسئلة محرجة بشأن جدوى المنظومات التي كلفت إسرائيل مليارات الدولارات. هذا الفشل يُحتم على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إعادة النظر في مفاهيمها الأمنية، لا سيما في ما يتعلق بتهديدات "الطرف البعيد"- كاليمن- والتي كانت تُعتبر حتى وقت قريب تهديداً هامشياً.
إطلاق صاروخ باليستي متشظٍ من اليمن على وسط إسرائيل ليس فقط تصعيداً خطيراً، بل قد يكون بداية مرحلة جديدة من المواجهة متعددة الجبهات، التي تُعيد تعريف موازين القوى في الإقليم. ومن الواضح أن إسرائيل- رغم تفوقها التكنولوجي والعسكري- تواجه الآن خصوماً غير تقليديين، يمتلكون من الإرادة والقدرة ما يكفي لتقويض تفوقها النوعي في مجالات محددة.
يمكن القول إن قوات صنعاء- بما تمتلكه من تصميم سياسي وقدرة تقنية متطورة- دخلت فعلاً مرحلة جديدة من التأثير الاستراتيجي في الصراع العربي - الإسرائيلي. واستخدام الذخائر المتشظية في الهجوم الأخير يؤكد أن اليمن لم يعد مجرد لاعب هامشي أو داعم إعلامي لغزة، بل فاعل مباشر في تشكيل معادلات الردع الجديدة في المنطقة.
في ظل هذا الواقع، فإن تجاهل الدور المتصاعد لصنعاء أو التقليل من شأنه، لم يعد خياراً متاحاً لإسرائيل ولا لحلفائها، فالحرب على غزة فتحت أبواباً ما كان أحد ليتوقعها، ومن الواضح أن هذا الباب اليمني قد يكون الأشد تعقيداً وكلفة.