غير أن ما يميز هذه الاستعدادات هو الطابع الشعبي التلقائي الذي يغلب عليها، والذي يعكس مدى ارتباط الشعب اليمني بهذه المناسبة الدينية. فالمواطنون يتسابقون على تزيين شوارعهم ومنازلهم ومحلاتهم التجارية، ليس فقط استجابة لدعوات رسمية، بل بدافع من حب عميق واحترام أصيل للرسول الأكرم، محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أن هذا التفاعل الشعبي الواسع واللامحدود، الذي يمتد ليشمل كافة فئات المجتمع، يُعتبر دليلاً قاطعاً على أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس مجرد طقس ديني عابر، بل هو جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية لليمنيين. وقد ظلت هذه المناسبة على مدى قرون محطة لتجديد العهد مع النبي الكريم، ومناسبة لترسيخ القيم الإسلامية السمحة. هذا التفاعل الطوعي يفند بشكل مباشر كل الادعاءات التي تحاول تصوير المولد النبوي كمناسبة طائفية أو مذهبية بحتة، وهو ما تروج له بعض الجهات بهدف إثارة الانقسام والفرقة.
في شوارع صنعاء، كما في غيرها من المدن والمراكز الحضرية، في جميع المحافظات، يرى الزائر الأعلام الخضراء والأشرطة القماشية البيضاء والخضراء، واللوحات المضيئة التي تزين كل زاوية، وتصدح مكبرات الصوت بالأناشيد الدينية التي تمجد الرسولا صلى الله عليه وسلم. هذا المشهد لا يقتصر على فئة معينة، بل يشارك فيه اليمنيون بكافة مذاهبهم واتجاهاتهم. فاليمن، الذي يُعرف بتنوعه المذهبي، يجد في المولد النبوي مناسبة جامعة توحد القلوب وتُعيد التأكيد على أن الإسلام هو الرابط الأقوى الذي يجمع بين أبنائه، وهي الرسالة الواضحة التي يرسلها هذه الاحتفاء إلى العالم بأن اليمنيين- رغم كل ما يمرون به من ظروف صعبة- ما زالوا متمسكين بقيمهم ومبادئهم الإسلامية، وأن حبهم للرسول الكريم هو مصدر قوتهم وعزتهم.
ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون جراء أكثر من عقد من الحرب والحصار، إلا أن تلك الظروف لم تمنعهم من إظهار حبهم لهذه المناسبة. فالكثيرون، رغم قلة ذات اليد، يبذلون قصارى جهدهم للمشاركة في التزيين والتجهيز للاحتفالات، مما يؤكد أن هذا الاحتفال ليس مجرد عادة، بل هو قناعة راسخة وحب لا يقدر بثمن، حيث يعكس هذا التفاني في الاحتفال، في ظل ظروف قاسية، مدى أصالة هذا الارتباط الروحي بين اليمنيين وهذه المناسبة الدينية العظيمة.
وفي ظل تلك الأجواء الاحتفائية الاستعدادات الجارية، يمكن القول إن الاحتفال بالمولد النبوي في صنعاء وبقية المحافظات التابعة لها هو تعبير صادق ونابع من القلب عن مدى حب اليمنيين للرسول صلى الله عليه وسلم. وهو في نفس الوقت رد قوي على كل من يحاول تشويه هذه المناسبة أو استغلالها لأغراض سياسية أو طائفية. إنه حدث يبرز وحدة الشعب اليمني رغم كل التحديات، ويؤكد أن هوية اليمنيين الإسلامية هي هويتهم الجامعة التي لا يمكن أن تفرقها الانقسامات.