آخر الأخبار

الشرعية تحت الوصاية المالية .. واشنطن تتحكم بالمشهد الاقتصادي اليمني من بوابة البنك المركزي

شارك

مع فشل التحركات العسكرية والأمنية التي كانت تُراهن عليها الولايات المتحدة عبر وكلائها في الداخل اليمني، لجأت واشنطن إلى استراتيجية أكثر خدمةً لمصالحها، وهي السيطرة الاقتصادية الناعمة، يأتي هذا التحول بعد أن فشلت أدواتها المحلية في تحقيق الأهداف الأمنية والعسكرية، لتنتقل المهمة إلى وزارة الخزانة الأمريكية، التي استلمت فعلياً– بحسب معطيات الواقع– زمام الأمور النقدية في الجنوب اليمني، من خلال التدخل المباشر في رسم سياسات البنك المركزي بعدن.

المثير للقلق هو أن هذه السيطرة لم تأتِ من خلال تفاهمات اقتصادية معلنة، بل في ظل سيطرة قوى الفساد التي تُعدّ ذراعاً تنفيذية لسياسات خارجية، تعمل على تهريب رأس المال الوطني وتسهيل إخراج النقد الأجنبي إلى الخارج، ما ساهم في إفراغ السوق من السيولة الحقيقية وتضييق الخناق على الاقتصاد المحلي.

من أبرز مظاهر الاحتلال الاقتصادي الحالي هو اللعب المتكرر بسعر صرف العملة، وخلق انطباع زائف بتحسُّنها عبر أدوات إعلامية موالية للتحالف، بينما الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطن في عدن وبقية المحافظات الجنوبية والشرقية، لا يشهد أي تغيير إيجابي، بل على العكس، فإن الإجراءات النقدية التي شملت طباعة أكثر من 5 تريليونات ريال يمني بدون غطاء نقدي واضح، أسهمت في إشعال مزيد من التضخم وزيادة حدة الأزمة المعيشية.

ما يُسمى بالإصلاحات المالية، التي يُروج لها الفريق الأمريكي المشرف على البنك المركزي بعدن، ما هي إلا أدوات ضغط واستنزاف اقتصادي ممنهج، تهدف لضمان سيطرة طويلة المدى على القرار الاقتصادي السيادي في اليمن، ولضمان تهيئة البيئة الملائمة لاستمرار التواجد الأمريكي والإسرائيلي في الجنوب، مهما كلف ذلك من انتهاك لحقوق المواطنين وكرامتهم.

لا يحتاج الوضع الخدمي والمعيشي في عدن إلى كثير من التحليل، فالواقع يتحدث عن نفسه، فلأكثر من عشر سنوات، لم يشهد المواطن في المحافظات الجنوبية والشرقية أي تحسُّن يُذكر في الخدمات الأساسية، من كهرباء ومياه وتعليم وصحة، بل إن هذه القطاعات تراجعت بشكل كبير، وسط فساد إداري ومالي مزمن تُغذيه شبكات محلية ترتبط مباشرة بجهات خارجية.

هذا الوضع خلق حالة غليان شعبي حقيقي، ما دفع بالتحالف وأدواته المحلية إلى محاولة احتواء هذا الغضب بتحركات سطحية وترويج لإنجازات وهمية، لكن جذور الأزمة أعمق من ذلك بكثير، وهي ترتبط أساساً بفقدان السيادة على القرار المالي والاقتصادي، فمفاصل الدولة تدار بتوجيهات خارجية، تحت عناوين خادعة.

ما يجري اليوم في عدن وبقية المحافظات الجنوبية والشرقية، الواقعة في نطاق حكومة الشرعية الموالية للتحالف، ليس مجرد خلل إداري أو فشل في تقديم الخدمات، بل هو تجسيد حي لمشروع استعمار اقتصادي معاصر، تسعى من خلاله قوى خارجية لنهب ثروات اليمن، وتوظيفها لخدمة مصالحها الضيقة، ضاربة عرض الحائط بمستقبل أبناء الجنوب وأبناء اليمن بشكل عام.

إن ما تمر به اليمن، خصوصاً المحافظات الجنوبية والشرقية، هو معركة استقلال جديدة، لكن بأساليب مختلفة، لم تعد البنادق وحدها هي وسيلة السيطرة، بل المال والنقد والسياسات المالية التي تُدار من الخارج، وهذه المعركة لا تقل شراسة وخطورة عن أي معركة عسكرية.



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا